( ويجب ) ، ( تنافيا ) أي المحملان ( أو لا ) يعني أو لم يتنافيا . قال ( عمل بحمل صحابي ما رواه ) من حديث محتمل المعنيين ( على أحد محمليه ) ابن مفلح : عندنا وعند عامة العلماء . إن هذه المسألة تعرف بما إذا قال راوي الحديث فيه شيئا . هل يقبل أو يعمل بالحديث ؟ ولها أحوال . منها : أن يكون الخبر عاما ، فيحمله الراوي على بعض أفراده ، ويأتي ذلك في تخصيص العام ، أو يدعي تقييدا في مطلق .
فكالعام يخصصه ، أو يدعي نسخه ويأتي في النسخ ، أو يخالفه بترك نص الحديث .
كرواية في الولوغ سبعا . وقوله { أبي هريرة يغسل ثلاثا } وبعضهم يمثل بذلك لتخصيص العام ، ولا يصح ; لأن العدد نص فيه . ومنها : مسألة الكتاب ، وهي أن يروي الصحابي خبرا محتملا لمعنيين ، ويحمله على أحدهما فإن تنافيا ، كالقرء ، يحمله الراوي على الأطهار مثلا . وجب الرجوع إلى حمله ، عملا بالظاهر . كما قاله أصحابنا ، وجمهور الشافعية . كالأستاذين أبي إسحاق وأبي منصور ، وابن فورك وإلكيا الهراسي وسليم الرازي ، ونقله أبو الطيب عن مذهب . ولهذا رجع إلى تفسير الشافعي رضي الله عنهما في التفرق في خيار المجلس بالأبدان ، وإلى تفسيره { ابن عمر حبل الحبلة } ببيعه إلى نتاج النتاج ، وإلى قول رضي الله عنه في { عمر } أنه التقابض في مجلس العقد . وخالف هاء وهاء من الحنفية . فقال : لا يعمل بحمل الصحابي . وقيل : يجتهد أولا . فإن لم يظهر له شيء وجب العمل بحمل الصحابي . وعن أبو بكر الرازي رضي الله عنه رواية ثانية : أنه يجب العمل بحمل التابعي أيضا . الإمام أحمد
وعند جمع وبعض الأئمة . وحيث علمت أن الصحيح وجوب العمل بحمل ما رواه الصحابي على أحد محمليه . فإنه يكون ( كما لو أجمع على جوازهما ) أي جواز كل من [ ص: 313 ] المحملين ( و ) أجمع أيضا على ( إرادة أحدهما ) كما في حديث في التفرق في خيار المجلس : هل هو التفرق بالأبدان ، أو بالأقوال ؟ فقد أجمعوا على أن المراد أحدهما فكان ما صار إليه الراوي أولى . قال ابن عمر " أحمله عليهما معا ، فأجعل لهما الخيار في الحالين بالخبر " قال ابن أبي هريرة : هذا صحيح ، لولا أن الإجماع منعقد على أن المراد أحدهما ( أو قاله ) أي وكما لو قاله الصحابي ( تفسيرا ) لمعنى الحديث . قال في شرح التحرير : واعلم أن الخلاف كما قال الماوردي الهندي فيما إذا ذكر ذلك الراوي ، لا بطريق التفسير للفظه ، وإلا فتفسيره أولى بلا خلاف . انتهى . ومحل ذلك إذا كان الحمل أو التفسير على أحد معنييه الظاهرين ، أو الظاهر منهما . أما إذا حمله الصحابي بتفسيره ، أو بأن المراد منه غير ظاهره ، فإنه ( لا ) يقبل منه ما يذكره ( على غير ظاهره ) كما إذا حمل ما ظاهره الوجوب على الندب أو بالعكس ، أو ما هو حقيقة على المجاز ونحو ذلك . فإنه لا يلتفت إلى قوله ( وعمل ) في ذلك ( بالظاهر ولو كان قوله ) أي قول الصحابي ( حجة ) . في غير هذه الصورة . وعلى العمل بالظاهر في هذه الصورة أكثر الفقهاء . ولهذا قال رضي الله عنه : كيف أترك الخبر لأقوال أقوام لو عاصرتهم لحججتهم . وقيل : يعمل بقول الصحابي ، ويترك الظاهر . وحكي عن الشافعي رضي الله عنه وأكثر الحنفية . لأن الصحابي لا يقول بما يخالف الظاهر إلا عن توقيف ، وللمالكية خلاف . واختار الإمام أحمد ابن عقيل والآمدي وأبو الحسين وعبد الجبار : يعمل بالظاهر إلا أن يعلم مأخذه ، ويكون صالحا ، وهو أظهر . قال ابن مفلح : لعله مراد من أطلق ( ولا يرد خبره ) أي خبر الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم ( لمخالفته ما لا يحتمل تأويلا ) أي بسبب مخالفته نصا لا يحتمل التأويل في الأصح عندنا ( ولا ينسخ ) النص ، وقالته الشافعية ، لاحتمال نسيانه ، ثم لو عرف ناسخه لذكره ورواه ولو مرة لئلا يكون كاتما للعلم . كرواية في { أبي هريرة } وقوله { غسل الولوغ سبعا يغسل ثلاثا } وقالت الحنفية ، وهو رواية عن : لا يعمل بالخبر . وقال أحمد الآمدي : يتعين ظهور ناسخ عنده ، وقد لا يكون ناسخا عند غيره . فلا يترك النص باحتمال . [ ص: 314 ] وخالفه وقال في العمل بالنص نظر ، وقال ابن الحاجب إمام الحرمين : إن تحققنا نسيانه للخبر أو فرضنا مخالفته لخبر لم يروه ، وجوزنا أنه لم يبلغه ، فالعمل بالخبر ، أو روى خبرا يقتضي رفع الحرج فيما سبق فيه حظر ، ثم رأيناه يتحرج فالعمل بالخبر أيضا وابن القشيري