( فصل ) : ( ف ) هو ( صدق وإلا ) أي وإن لم يطابق الواقع في الخارج ( ف ) هو ( كذب ) ولا فرق في ذلك بين اعتقاد المطابقة مع الصدق ، أو عدمها مع الكذب . وبين أن لا يعتقد شيئا أو يعتقد عدم المطابقة مع وجودها ، أو يعتقد وجودها مع عدمها . وإذن فلا واسطة بين الصدق والكذب . وهذا مذهب أهل الحق . وقال ( الخبر إن طابق ) ما في الخارج : المطابق مع اعتقاد المطابقة صدق ، وغير المطابق مع [ ص: 254 ] اعتقاد عدم المطابقة كذب . وغيرهما واسطة ، لا صدق ، ولا كذب . فيدخل في الواسطة أربعة أقسام فتصير الأقسام عنده ستة : صدق وكذب وواسطة ; لأن الخبر إما مطابق أو غير مطابق . فإن كان مطابقا فإما أن يكون معه اعتقاد المطابقة أو لا . والثاني : إما أن يكون معه اعتقاد أن لا مطابقة أو لا . وإن كان غير مطابق فإما أن يكون معه اعتقاد أن لا مطابقة أو لا . والثاني إما أن يكون معه اعتقاد المطابقة أو لا . واستدل لقول الجاحظ بقوله تعالى { الجاحظ أفترى على الله كذبا أم به جنة } والمراد الحصر في الافتراء والجنون ، ضرورة عدم اعترافهم بصدقه . فعلى تقدير أنه كلام مجنون لا يكون صدقا ; لأنهم لا يعتقدون صدقه ولا كذبه ; لأنه قسيم الكذب على ما زعموه . فثبتت الواسطة بين الصدق والكذب . وأجيب بأن المعنى : أفترى على الله كذبا أم لم يفتر . فيكون مجنونا ; لأن المجنون لا افتراء له لعدم قصده . واستدلوا أيضا بنحو قول رضي الله عنها عن عائشة رضي الله عنهما في حديث { ابن عمر } : ما كذب ، ولكن وهم " وأجيب : بأن المراد ما كذب عمدا ، بل وهم . قال إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ابن مفلح في أصوله : المراد من الآية عند الجمهور الحصر في كونه خبرا كذبا ، أو ليس بخبر لجنونه .
فلا عبرة بكلامه . وأما المدح والذم فيتبعان القصد ويرجعان إلى المخبر ، لا إلى الخبر . ومعلوم عند الأمة صدق المكذب برسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله " محمد رسول الله " مع عدم اعتقاده ، وكذبه في نفي الرسالة مع اعتقاده . وكثر في السنة تكذيب من أخبر - يعتقد المطابقة - فلم يكن ، كقوله صلى الله عليه وسلم { أبو السنابل } انتهى . وقيل : إن اعتقد المخبر المطابقة وكان الأمر كما اعتقد ، فصدق وإلا فكذب ، سواء كان مطابقا أو لم يكن . كقوله تعالى { كذب إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } كذبهم الله تعالى لعدم اعتقادهم ، مع أن قولهم مطابق للخارج . ورد ذلك بأنه أكذبهم في شهادتهم ; لأن الشهادة الصادقة أن [ ص: 255 ] يشهد بالمطابقة معتقدا . وقال : الكاذبون في ضمائرهم . وقيل في تمنيهم . الفراء
فالخبر على هذا القول وإن كان منحصرا في الصدق والكذب ، لكن لا على الوجه الذي عليه الجمهور ( ويكونان ) أي الصدق والكذب ( في ) زمن ( مستقبل ك ) ما يكونان في زمن ( ماض ) قال فيمن قال : لا آكل ثم أكل : هذا كذب ، لا ينبغي أن يفعل . وقيل له أيضا : بم تعرف الكذاب ؟ قال بخلف الوعد . وتبعه على ذلك الإمام أحمد رضي الله عنه ابن عقيل ، وابن الجوزي وغيرهم . لقوله تعالى { والشيخ موفق الدين وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } وقوله تعالى ( { ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم } - إلى آخر الآية ) وقوله تعالى { والله يشهد إنهم لكاذبون } وقوله تعالى { وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون } فأكذبهم الله تعالى . وفي صحيح في { البخاري يوم فتح سعد بن عبادة مكة اليوم تستحل الكعبة فقال صلى الله عليه وسلم كذب سعد } وفي صحيح قول في { مسلم لما جاء يشكو حاطب ليدخلن حاطبا النار فقال صلى الله عليه وسلم كذبت ، لا يدخلها حاطب } ورد قول عبد على من أنكر ذلك بقوله تعالى { أبو جعفر النحاس يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا } وقيل : لا يكون الكذب إلا في ماض . قال البرماوي : وهو قول مشهور ، بل هو المفهوم عن . ثم قال : والحق أن الخبر عن المستقبل يقبل التصديق والتكذيب . فإن تعلق بالمستقبل ولم يقبل ذلك كالوعد . كان إنشاء . وليس مما نحن فيه . انتهى الشافعي