( ومنه ) أي لأنهما من الأحكام ، وليسا داخلين في الاقتضاء والتخيير ، لأن الحكم بصحة العبادة وبطلانها ، وبصحة المعاملة وبطلانها : لا يفهم منه اقتضاء ولا تخيير ، فكانا من خطاب الوضع . ومن خطاب الوضع ( فساد وصحة )
وهذا قول الأكثر من أصحابنا وغيرهم . وقال جماعة : معنى الصحة : الإباحة ، ومعنى البطلان : الحرمة . وذهب وجمع إلى أن الصحة والبطلان أمر عقلي غير مستفاد من الشرع . فلا يكون داخلا في الحكم الشرعي ( وهي ) أي ابن الحاجب أي قضاء العبادة ( بالفعل ) أي : بفعلها . بمعنى أن لا يحتاج إلى فعلها ثانيا . وهذا عند الفقهاء ، وعند الصحة ( في عبادة : سقوط القضاء ) المتكلمين : موافقة الأمر وإن لم يسقط القضاء . صحيحة على قول فصلاة من ظن الطهارة المتكلمين ، فاسدة على قول الفقهاء . فالمتكلمون نظروا لظن المكلف .
والفقهاء لما في نفس الأمر . لكن قال البرماوي : اللائق بقواعد الفريقين العكس . وقال ابن دقيق العيد : هذا البناء فيه نظر ; لأن من قال : موافقة الأمر إن أراد الأمر الأصلي : فلم تسقط ، أو الأمر بالعمل بالظن : فقد تبين فساد الظن . فيلزم أن لا تكون صحيحة من حيث عدم موافقة الأمر الأصلي ولا الأمر بالعمل بالظن . قال في شرح التحرير : وما قاله ظاهر . قال : والقضاء واجب على قول الفقهاء وقول المتكلمين عند الأكثر ، وقطعوا به ، وهو الصحيح ، ويكون الخلاف بين الفريقين لفظيا . انتهى . ( و ) : ترتب أحكامها ) أي أحكام المعاملة ( المقصودة بها ) أي بالمعاملة ( عليها ) وذلك لأن العقد لم يوضع إلا لإفادة مقصود كمال النفع في البيع . وملك البضع في النكاح . فإذا أفاد مقصوده [ ص: 147 ] فهو صحيح . وحصول مقصوده : هو ترتب حكمه عليه ، لأن العقد مؤثر لحكمه وموجب له . الصحة ( في معاملة
قال الآمدي : ولا بأس بتفسير الصحة في العبادات بهذا . قال الطوفي : لأن مقصود العبادة رسم التعبد وبراءة ذمة العبد منها . فإذا أفادت ذلك كان هو معنى قولنا : إنها كافية في سقوط القضاء ، فتكون صحيحة ( ويجمعهما ) أي ويجمع العبادة والمعاملة في حد صحتهما قوله ( ترتب أثر مطلوب من فعل عليه ) أي على ذلك الفعل . فالفقهاء فسروا الأثر المطلوب بإسقاط القضاء . والمتكلمون بموافقة الشرع ( فبصحة عقد يترتب أثره ) من التمكن من التصرف فيما هو له ، كالبيع إذا صح العقد ترتب أثره من ملك ، وجواز التصرف فيه من هبة ووقف وأكل ولبس وانتفاع وغير ذلك .
وكذا إذا صح عقد النكاح والإجارة والوقف وغيرها من العقود ، ترتب عليها أثرها مما أباحه الشرع له به . فينشأ ذلك عن العقد . وترتب العتق على الكتابة الفاسدة لوجود الصفة ، وترتب صحة التصرف في الوكالة والمضاربة الفاسدة ، لوجود الإذن في التصرف ، لا من جهة العقد في الثلاث ( و ) بصحة ( عبادة ) يترتب ( إجزاؤها ، وهو ) أي إجزاؤها ( كفايتها في إسقاط التعبد ويختص ) الإجزاء ( بها ) أي بالعبادة ، سواء كانت واجبة أو مستحبة . وتفسير إجزائها بكفايتها في إسقاط التعبد ينقل عن المتكلمين . قال في شرح التحرير : وهو أظهر . وقيل : الإجزاء هو الكفاية في إسقاط القضاء .
وينقل عن الفقهاء . فعلى القول الأول : فعل المأمور به بشروطه يستلزم الإجزاء بلا خلاف . وعلى الثاني : يستلزمه عند الأكثر . قال ابن مفلح : وإلا لكان الأمر بعد الامتثال مقتضيا إما لما فعل ، وهو تحصيل الحاصل ، وإما لغيره ، فالمجموع مأمور به ، فلم يفعل إلا بعضه . والفرض خلافه ( وكصحة قبول ونفيه ، كنفي إجزاء ) يعني أن . القبول مثل الصحة ، فلا يفارقها في إثبات ولا نفي
فإذا وجد أحدهما وجد الآخر ، وإذا انتفى أحدهما انتفى الآخر . وهذا المقدم في التحرير . والذي رجحه في الواضح . وقيل : إن القبول أخص من الصحة ، إذ كل مقبول صحيح ولا عكس . واستدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 148 ] { ابن عقيل } و { من أتى عرافا لم تقبل له صلاة أربعين صباحا } و { إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة حتى يرجع إلى مواليه } ونحو ذلك . فيكون القبول هو الذي يحصل به الثواب . والصحة قد توجد في الفعل ولا ثواب فيه ، لكن قد أتى نفي القبول في الشرع تارة بمعنى نفي الصحة ، كما في حديث { من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا } . لا يقبل الله صلاة بغير طهور ، ولا صدقة من غلول
و { } و { لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار } ونحو قوله تعالى ( { لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به } ) وتارة بمعنى نفي القبول مع وجود الصحة ، كما في الأحاديث السابقة في الآبق ، وشارب الخمر ، ومن أتى عرافا . وقد حكى القولين في الواضح . ورجح أن الصحيح لا يكون إلا مقبولا ، ولا يكون مردودا ، إلا وهو باطل . قال ابن العراقي : ظهر لي في الأحاديث التي نفي فيها القبول ولم تنتف معه الصحة - ونحوه - أنا ننظر فيما نفي ، فإن قارنت ذلك الفعل معصية ، كحديث شارب الخمر ونحوه ; انتفى ، القبول . أي الثواب ، لأن إثم المعصية أحبطه ، وإن لم تقارنه معصية . كحديث { كصلاة شارب الخمر } ونحوه ، فانتفاء القبول سببه انتفاء الشرط ، وهو الطهارة ونحوها ، ويلزم من عدم الشرط عدم المشروط . انتهى . لا صلاة إلا بطهور