الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
14 - قوله: (ع): "إن ما استثناه من المواضع قد أجاب العلماء عنها، ومع ذلك ليست يسيرة بل هي كثيرة جمعتها مع الجواب عنها في تصنيف.

أقول: كأن مسودة هذا التصنيف ضاعت وقد طال بحثي عنها وسؤالي من الشيخ أن يخرجها لي فلم أظفر بها، ثم حكى ولده أنه ضاع منها كراسان أولان فكان ذلك سبب إهمالها وعدم انتشارها.

قلت: وينبغي الاعتناء بمقاصد ما لعلها اشتملت عليه.

فأقول: أولا: اعتراض الشيخ على ابن الصلاح استثناء المواضع اليسيرة بأنها ليست يسيرة بل كثيرة وبكونه قد جمعها وأجاب عنها لا يمنع استثناءها.

أما كونها ليست يسيرة فهذا أمر نسبي. نعم هي بالنسبة إلى ما لا مطعن فيه من الكتابين يسيرة جدا .

وأما كونها يمكن الجواب عنها فلا يمنع ذلك استثناءها؛ لأن من تعقبها من جملة من ينسب إليه الإجماع على التلقي.

[ ص: 381 ] [تعين استثناء الأحاديث المنتقدة في الصحيحين من تلقيها بالقبول:]

فالمواضع المذكورة متخلفة عنده عن التلقي بفيتعين استثناؤها وقد اعتنى أبو الحسن الدارقطني بتتبع ما فيهما من الأحاديث المعللة فزادت على المائتين.

ولأبي مسعود الدمشقي في أطرافه انتقاد عليهما. ولأبي الفضل بن عمار تصنيف لطيف في ذلك وفي كتاب التقييد لأبي علي الجياني جملة في ذلك.

والكلام على هذه الانتقادات من حيث التفصيل من وجوه:

منها: ما هو مندفع بالكلية.

ومنها: ما قد يندفع:

1 - فمنها: الزيادة التي تقع في بعض الأحاديث إذا انفرد بها ثقة من الثقات ولم يذكرها من هو مثله أو أحفظ منه فاحتمال كون هذا الثقة غلط ظن مجرد وغايتها أنها زيادة ثقة فليس فيها منافاة لما رواه الأحفظ والأكثر فهي مقبولة.

2 - ومنها: الحديث المروي من حديث تابعي مشهور عن صحابي سمع منه. فيعلل بكونه روي عنه بواسطة كالذي يروى عن سعيد المقبري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .

ويروى عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة .

وأن مثل هذا لا مانع أن يكون التابعي سمعه بواسطة ثم سمعه بدون ذلك الواسطة.

[ ص: 382 ] ويلتحق بذلك ما يرويه التابعي عن الصحابي، فيروى من روايته عن صحابي آخر، فإن هذا يكون سمعه منهما فيحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا.

كما قال علي بن المديني في حديث رواه عاصم عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس .

ورواه يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان - رضي الله تعالى عنه - .

[ ص: 383 ] قال: ما أرى الحديثين إلا صحيحين لإمكان أن يكون أبو قلابة سمعه من كل منهما.

قلت: هذا إنما يطرد حيث يحصل الاستواء في الضبط والإتقان.

3 - ومنها ما يشير صاحب الصحيح إلى علته كحديث يرويه مسندا ثم يشير إلى أنه يروى مرسلا فذلك مصير منه إلى ترجيح رواية من أسنده على من أرسله.

4 - ومنها ما تكون علته مرجوحة بالنسبة إلى صحته؛ كالحديث الذي يرويه ثقات متصلا ويخالفهم ثقة فيرويه منقطعا أو يرويه ثقة متصلا ويرويه ضعيف منقطعا.

ومسألة التعليل بالانقطاع وعدم اللحاق قل أن تقع في البخاري بخصوصه لأنه معلوم أن مذهبه عدم الاكتفاء في الإسناد المعنعن بمجرد إمكان اللقاء ، وإذا اعتبرت هذه الأمور من جملة الأحاديث التي انتقدت عليهما لم يبق بعد ذلك مما انتقد عليهما سوى مواضع يسيرة جدا، ومن أراد حقيقة ذلك فليطالع المقدمة التي كتبتها لشرح صحيح البخاري فقد بينت فيها ذلك بيانا شافيا بحمد الله تعالى.

التالي السابق


الخدمات العلمية