39 - قوله: (ع): "ترك المصنف قسما ثالثا من أنواع التدليس وهو شر الأقسام ..." إلى آخره.
أقول: فيه مشاحة وذلك أن قسم ابن الصلاح إلى قسمين : التدليس
1- أحدهما: تدليس الإسناد.
2- والآخر: تدليس الشيوخ.
والتسوية على تقدير تسليم تسميتها تدليسا هي من قبيل القسم الأول وهو تدليس الإسناد.
فعلى هذا لم يترك قسما ثالثا، إنما ترك تفريع القسم الأول . أو أخل بتعريفه ومشى على ذلك العلائي فقال: "تدليس السماع نوعان" (فذكره).
[ ص: 617 ] وقد فاتهم معا من تدليس الإسناد فرع آخر وهو تدليس العطف وهو: أن يروي عن شيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخ اشتركا فيه ويكون قد سمع ذلك من أحدهما دون الآخر، فيصرح عن الأول بالسماع ويعطف الثاني عليه، فيوهم أنه حدث عنه بالسماع - أيضا - وإنما حدث بالسماع عن الأول ثم نوى القطع فقال: وفلان أي حدث فلان.
مثاله : ما رويناه في "علوم الحديث" قال : للحاكم
"اجتمع أصحاب هشيم فقالوا: لا نكتب عنه اليوم شيئا مما يدلسه ففطن لذلك فلما جلس قال: حدثنا حصين ومغيرة عن إبراهيم فحدث بعدة أحاديث فلما فرغ قال هل دلست لكم شيئا؟
قالوا: لا فقال: بلى كل ما حدثتكم عن حصين فهو سماعي ولم أسمع من مغيرة من ذلك شيئا".
وفاتهم أيضا فرع آخر وهو تدليس القطع مثاله ما رويناه في "الكامل" وغيره. . لأبي أحمد ابن عدي
عن عمر بن عبيد الطنافسي أنه كان يقول: حدثنا ثم يسكت ينوي القطع، ثم يقول: عن أبيه عن هشام بن عروة عائشة - رضي الله عنها - .
[ :] التسوية أعم من التدليس
وقد يدلسون بحذف الصيغ الموهمة فضلا عن المصرحة ، كما كان يقول: ابن عيينة سمع عمرو بن دينار جابرا - رضي الله عنه - ونحو ذلك، ولكن هذا كله داخل في التعريف الذي عرف به وهو قوله أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه بخلاف التسوية وهي أعم من أن يكون هناك تدليس أو لم يكن. ابن الصلاح
فمثال: ما يدخل في التدليس، فقد ذكره الشيخ.
[ ص: 618 ] ومثال: ما لا يدخل في التدليس ما ذكره وغيره أن ابن عبد البر سمع من مالكا ثور بن زيد أحاديث عن عكرمة ، عن - رضي الله عنهما - ثم حدث بها عن ابن عباس ثور عن ، وحذف ابن عباس عكرمة ، لأنه كان لا يرى الاحتجاج بحديثه .
فهذا قد سوى الإسناد (بإبقاء) من هو عنده ثقة وحذف من ليس عنده بثقة، فالتسوية قد تكون بلا تدليس وقد تكون بالإرسال فهذا تحرير القول فيها. مالك
وقد وقع هذا في مواضع أخرى: لمالك
1 - فإنه روى عن عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عائشة وأم سلمة - رضي الله عنهما - في الصائم يصبح جنبا وإنما رواه عبد ربه عن عبد الله بن كعب الحميري عن - رضي الله عنه - كذا جزم به أبي بكر بن عبد الرحمن وكذا أخرجه ابن عبد البر
[ ص: 619 ] من رواية النسائي عمر بن الحارث عن عبد ربه .
2 - وروى عن مالك عبد الكريم الجزري ، عن عن ابن أبي ليلى - رضي الله عنه - في الفدية وإنما رواه كعب بن عجرة عبد الكريم عن عن مجاهد كذا قال ابن أبي ليلى أيضا . ابن عبد البر
3 - وروى عن مالك ، عن عمرو بن الحارث عبيد بن فيروز ، عن - رضي الله عنه - في الأضاحي ، وإنما رواه البراء عمرو ، عن
[ ص: 620 ] سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد . كذا رواه ، عن ابن وهب عمرو بن عمرو بن الحارث وهو مشهور من حديث سليمان المذكور، حدث به عنه ، شعبة والليث وغيرهم. وابن لهيعة
فلو كانت التسوية تدليسا لعد في المدلسين، وقد أنكروا على من عده فيهم. مالك
قال : "ولقد ظن ابن القطان على بعده عنه عمله" . بمالك
وقال : أن الدارقطني ممن عمل به وليس عيبا عندهم . مالكا
وإذا تقرر ذلك، فقول شيخنا - في تعريف التسوية - : وصورة هذا القسم أن يجيء المدلس إلى حديث قد سمعه من شيخ ثقة وقد سمعه ذلك الشيخ الثقة من شيخ ضعيف، وقد سمعه ذلك الشيخ الضعيف عن شيخ ثقة، فيسقط المدلس الشيخ الضعيف، ويسوقه بلفظ محتمل، فيصير الإسناد كلهم ثقات، ويصرح هو بالاتصال عن شيخه لأنه قد سمعه منه فلا يظهر حينئذ في الإسناد ما يقتضي رده ..." إلى آخر كلامه.
تعريف غير جامع، بل حق العبارة أن يقول:
[ ص: 621 ] أن يجيء الراوي - ليشمل المدلس وغيره - إلى حديث قد سمعه من شيخ وسمعه ذلك الشيخ من آخر عن آخر، فيسقط الواسطة بصيغة محتملة، فيصير الإسناد عاليا وهو في الحقيقة نازل، ومما يدل على أن هذا التعريف لا تقييد فيه بالضعيف أنهم ذكروا في أمثلة التسوية: ما رواه هشيم عن عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن الزهري عبد الله بن الحنفية ، عن أبيه عن - رضي الله عنه - في تحريم لحوم الحمر الأهلية. علي
قالوا: ويحيى بن سعيد لم يسمعه من ، إنما أخذه عن الزهري عن مالك . الزهري
هكذا حدث به عبد الوهاب الثقفي وغير واحد عن وحماد بن زيد يحيى بن سعيد عن ، فأسقط مالك هشيم ذكر منه وجعله عن مالك يحيى ابن سعيد عن الزهري ويحيى فقد سمع من ، فلا إنكار في روايته عنه إلا أن الزهري هشيما قد سوى هذا الإسناد، وقد جزم بذلك وغيره. ابن عبد البر
فهذا كما ترى لم يسقط في التسوية شيخ ضعيف، وإنما سقط شيخ ثقة ، فلا اختصاص لذلك بالضعيف - والله أعلم -.
[ ص: 622 ] تنبيه:
قسم في علوم الحديث - وتبعه الحاكم - التدليس إلى ستة أقسام: أبو نعيم
1- الأول: من دلس عن الثقات.
2- الثاني: من سمى من دلس عنه لما حوقق وروجع فيه.
3- الثالث: من دلس عن من لا يعرف.
4- الرابع : من دلس عن الضعفاء.
5- الخامس: من دلس القليل عن من سمع منه الكثير.
6- السادس: من حدث من صحيفة من لم يلقه.
قلت: وليست هذه الأقسام متغايرة، بل هي متداخلة، وحاصلها يرجع إلى القسمين اللذين ذكرهما . ابن الصلاح
لكن أحببت التنبيه على ذلك.
لئلا يعترض به من لا يتحقق.
تنبيه آخر:
ذكر شيخنا ممن عرف بالتسوية جماعة، وفاته أن قال - في ترجمة ابن حبان بقية - إن أصحابه كانوا يسوون حديثه.
وقال: - في ترجمة إبراهيم بن عبد الله المصيصي - : كأن يسوي الحديث - والله أعلم - .