السابع : يصح إذا عرف صوته، فيما إذا حدث بلفظه، وإذا عرف حضوره بمسمع منه فيما إذا قرئ عليه . وينبغي أن يجوز الاعتماد في معرفة صوته وحضوره على خبر من يوثق به . وكانوا يسمعون من السماع ممن هو وراء حجاب، - رضي الله عنها - وغيرها من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجاب، ويروونه عنهن اعتمادا على الصوت . عائشة
واحتج في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : عبد الغني بن سعيد الحافظ بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي " ابن أم مكتوم وروى بإسناده عن " إن أنه قال : إذا حدثك المحدث فلم تر وجهه فلا ترو عنه، فلعله شيطان قد تصور في صورته يقول: "حدثنا وأخبرنا" والله أعلم . شعبة
الثامن : - فذلك غير مبطل لسماعه، ولا مانع له من روايته عنه . من سمع من شيخ حديثا، ثم قال له : لا تروه عني، أو : لا آذن لك في روايته عني، أو قال : لست أخبرك به، أو : رجعت عن إخباري إياك به، فلا تروه عني، غير مسند ذلك إلى أنه أخطأ فيه، أو شك فيه، ونحو ذلك، بل منعه من روايته عنه مع جزمه بأنه حديثه وروايته
وسأل الحافظ أبو سعد بن عليك النيسابوري الأستاذ رحمهما الله، عن محدث خص بالسماع قوما، فجاء غيرهم، وسمع منه من غير علم المحدث به، هل تجوز له رواية ذلك عنه؟ فأجاب : بأنه تجوز ، ولو قال المحدث : إني أخبركم، ولا أخبر فلانا، لم يضره. والله أعلم . أبا إسحاق الإسفرائيني
القسم الثالث من أقسام طرق نقل الحديث وتحمله : الإجازة
وهي متنوعة أنواعا :
أولها : أن يجيز لمعين في معين، مثل أن يقول: " أجزت لك الكتاب الفلاني، أو : ما اشتملت عليه فهرستي هذه " فهذا على أنواع الإجازة المجردة عن المناولة . وزعم بعضهم أنه لا خلاف في جوازها، ولا خالف فيها أهل الظاهر ، وإنما خلافهم في غير هذا النوع .
وزاد فأطلق نفي الخلاف، وقال : "لا خلاف في جواز القاضي أبو الوليد الباجي المالكي من سلف هذه الأمة وخلفها" وادعى الإجماع من غير تفصيل، وحكى الخلاف في العمل بها . والله أعلم. الرواية بالإجازة
قلت : هذا باطل، فقد خالف في جواز الرواية بالإجازة جماعات من أهل الحديث، والفقهاء، والأصوليين، وذلك إحدى الروايتين عن رضي الله عنه. روي عن صاحبه الشافعي قال : "كان الربيع بن سليمان لا يرى الإجازة في الحديث" . قال الشافعي الربيع : أنا أخالف في هذا . الشافعي
وقد قال بإبطالها جماعة من الشافعيين، منهم القاضيان حسين بن محمد المروروذي، ، وبه قطع وأبو الحسن الماوردي الماوردي في كتابه ( الحاوي) وعزاه إلى مذهب وقالا جميعا : "لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة" وروي أيضا هذا الكلام عن الشافعي، وغيره . شعبة،
وممن أبطلها من أهل الحديث الإمام إبراهيم بن إسحاق الحربي ، وأبو محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني الملقب بأبي الشيخ، والحافظ . وحكى أبو نصر الوايلي السجزي أبو نصر فسادها عن بعض من لقيه. قال أبو نصر : وسمعت جماعة من أهل العلم يقولون : قول المحدث: " قد أجزت لك أن تروي عني" تقديره: أجزت لك ما لا يجوز في الشرع; لأن الشرع لا يبيح رواية من لم يسمع .
قلت : ويشبه هذا ما حكاه أبو بكر محمد بن ثابت الخجندي أحد من أبطل الإجازة من الشافعية، عن أبي طاهر الدباس أحد أئمة الحنفية قال : من قال لغيره: " أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع " فكأنه يقول: " أجزت لك أن تكذب علي ".
ثم إن الذي استقر عليه العمل، وقال به جماهير أهل العلم من أهل الحديث، وغيرهم: القول بتجويز الإجازة، وإباحة الرواية بها.
وفي الاحتجاج لذلك غموض ، ويتجه أن يقول : إذا أجاز له أن يروي عنه مروياته، فقد أخبره بها جملة، فهو كما لو أخبره تفصيلا، وإخباره بها غير متوقف على التصريح نطقا كما في القراءة على الشيخ كما سبق، وإنما الغرض حصول الإفهام والفهم، وذلك يحصل بالإجازة المفهمة. والله أعلم .
ثم إنه كما تجوز الرواية بالإجازة يجب العمل بالمروي بها، خلافا لمن قال من أهل الظاهر، ومن تابعهم : إنه لا يجب العمل به، وإنه جار مجرى المرسل . وهذا باطل؛ لأنه ليس في الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها، وفي الثقة به. والله أعلم .
النوع الثاني : من أنواع الإجازة : أن يجيز لمعين في غير معين، مثل أن يقول : " أجزت لك، أو لكم جميع مسموعاتي، أو جميع مروياتي" وما أشبه ذلك . فالخلاف في هذا النوع أقوى وأكثر ، والجمهور من العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم على تجويز الرواية بها أيضا، وعلى إيجاب العمل بما روي بها بشرطه. والله أعلم .
النوع الثالث من أنواع الإجازة : أن يجيز لغير معين بوصف العموم، مثل أن يقول: " أجزت للمسلمين، أو أجزت لكل أحد، أو أجزت لمن أدرك زماني " وما أشبه ذلك، فهذا نوع تكلم فيه المتأخرون ممن جوز أصل الإجازة، واختلفوا في جوازه .
فإن كان ذلك مقيدا بوصف حاصر أو نحوه فهو إلى الجواز أقرب .
وممن جوز ذلك كله . أبو بكر الخطيب الحافظ
وروينا عن أنه قال : "أجزت لمن قال لا إله إلا الله". وجوز أبي عبد الله بن منده الحافظ أحد الفقهاء المحققين فيما حكاه عنه القاضي أبو الطيب الطبري الإجازة لجميع المسلمين، من كان منهم موجودا عند الإجازة . وأجاز الخطيب أبو محمد بن سعيد أحد الجلة من شيوخ الأندلس لكل من دخل قرطبة من طلبة العلم . ووافقه على جواز ذلك منهم أبو عبد الله بن عتاب رضي الله عنهم.
وأنبأني من سأل ، عن الإجازة العامة هذه، فكان من جوابه : أن من أدركه من الحفاظ - نحو الحازمي أبا بكر أبي العلاء الحافظ وغيره - كانوا يميلون إلى الجواز. والله أعلم .
[ ص: 639 ] [ ص: 640 ] [ ص: 641 ] [ ص: 642 ] [ ص: 643 ]