الثاني: اختلفوا في قول الراوي: "أن فلانا قال كذا وكذا" هل هو بمنزلة (عن) في الحمل على الاتصال، إذا ثبت التلاقي بينهما، حتى يتبين فيه الانقطاع.
مثاله: عن (مالك، أن الزهري: قال كذا). سعيد بن المسيب
فروينا عن رضي الله عنه أنه كان يرى (عن فلان) و (أن فلانا) سواء. مالك
وعن رضي الله عنه: أنهما ليسا سواء. أحمد بن حنبل
وحكى عن جمهور أهل العلم: أن "عن" و "أن" سواء، وأنه لا اعتبار بالحروف والألفاظ، وإنما هو باللقاء والمجالسة، والسماع والمشاهدة، يعني مع السلامة من التدليس، فإذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحا كان حديث بعضهم عن بعض بأي لفظ ورد محمولا على الاتصال، حتى يتبين فيه الانقطاع. ابن عبد البر
وحكى عن ابن عبد البر، أبي بكر البرديجي أن حرف "أن" محمول على الانقطاع، حتى يتبين السماع في ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى. وقال: عندي لا معنى لهذا؛ لإجماعهم على أن الإسناد المتصل بالصحابي سواء فيه "قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" أو "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" أو "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال" أو "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" والله أعلم.
قلت: ووجدت مثلما حكاه عن للحافظ الفحل البرديجي أبي بكر الحافظ في مسنده الفحل، فإنه ذكر ما رواه يعقوب بن شيبة عن أبو الزبير عن ابن الحنفية عمار قال: وجعله مسندا موصولا. "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه، فرد علي السلام"
وذكر رواية لذلك، عن قيس بن سعد عن عطاء بن أبي رباح، "أن ابن الحنفية مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي" فجعله مرسلا من حيث كونه قال: "إن عمارا فعل" ولم يقل: "عن عمارا عمار" والله أعلم.
ثم إن مثل هذه المسألة بحديث الخطيب عن نافع، عن ابن عمر، "أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟"... الحديث. عمر:
وفي رواية أخرى: عن عن نافع، أن ابن عمر قال: "يا رسول الله..." الحديث. ثم قال: "ظاهر الرواية الأولى يوجب أن يكون من مسند عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. والثانية ظاهرها يوجب أن يكون من مسند عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم". ابن عمر،
قلت: ليس هذا المثال مماثلا لما نحن بصدده؛ لأن الاعتماد فيه في الحكم بالاتصال على مذهب الجمهور إنما هو على اللقاء والإدراك، وذلك في هذا الحديث مشترك متردد؛ لتعلقه بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعمر رضي الله عنه، وبصحبة الراوي لهما، فاقتضى ذلك من جهة كونه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن جهة أخرى كونه رواه عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. عمر،
الثالث: قد ذكرنا ما حكاه من تعميم الحكم بالاتصال فيما يذكره الراوي عمن لقيه بأي لفظ كان، وهكذا أطلق ابن عبد البر ذلك فقال: "كل من علم له سماع من إنسان، فحدث عنه، فهو على السماع حتى يعلم أنه لم يسمع منه ما حكاه. وكل من علم له لقاء إنسان، فحدث عنه فحكمه هذا الحكم". أبو بكر الشافعي الصيرفي
وإنما قال هذا فيمن لم يظهر تدليسه.
ومن الحجة في ذلك وفي سائر الباب أنه لو لم يكن قد سمعه منه لكان بإطلاقه الرواية عنه من غير ذكر الواسطة بينه وبينه مدلسا، والظاهر السلامة من وصمة التدليس، والكلام فيمن لم يعرف بالتدليس.
ومن أمثلة ذلك: قوله: "قال فلان كذا وكذا" مثل أن يقول "قال نافع: وكذلك لو قال عنه: "ذكر، أو فعل، أو حدث، أو كان يقول كذا وكذا" وما جانس ذلك، فكل ذلك محمول ظاهرا على الاتصال، وأنه تلقى ذلك منه من غير واسطة بينهما، مهما ثبت لقاؤه له على الجملة. ابن عمر".
ثم منهم من اقتصر في هذا الشرط المشترط في ذلك ونحوه على مطلق اللقاء، أو السماع، كما حكيناه آنفا. وقال فيه أبو عمرو المقرئ: "إذا كان معروفا بالرواية عنه". وقال فيه أبو الحسن القابسي: "إذا أدرك المنقول عنه إدراكا بينا".
وذكر في العنعنة أنه يشترط طول الصحبة بينهم. أبو المظفر السمعاني
وأنكر في خطبة صحيحه على بعض أهل عصره؛ حيث اشترط في العنعنة ثبوت اللقاء والاجتماع، وادعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه، وأن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديما وحديثا أنه يكفي في ذلك أن يثبت كونهما في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا أو تشافها. مسلم بن الحجاج
وفيما قاله نظر، وقد قيل: إن القول الذي رده مسلم هو الذي عليه أئمة هذا العلم: مسلم علي ابن المديني، وغيرهما، والله أعلم. والبخاري،
قلت: وهذا الحكم لا أراه يستمر بعد المتقدمين، فيما وجد من المصنفين في تصانيفهم، مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه: "ذكر فلان، قال فلان" ونحو ذلك، فافهم كل ذلك، فإنه مهم عزيز. والله أعلم.
[ ص: 418 ] [ ص: 419 ] [ ص: 420 ] [ ص: 421 ]