باب ما يحرم من جهة ما لا تأكل العرب من معاني الرسالة ومعان أعرف له وغير ذلك .
( قال ) رحمه الله : قال الله جل ثناؤه { الشافعي يسألونك ماذا أحل لهم ؟ قل : أحل لكم الطيبات } وقال في النبي صلى الله عليه وسلم { ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } وإنما خوطب بذلك العرب الذين يسألون عن هذا ونزلت فيهم الأحكام وكانوا يتركون من خبيث المآكل ما لا يترك غيرهم .
( قال ) وسمعت أهل العلم يقولون في قول الله عز وجل { الشافعي قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } الآية ، يعني مما كنتم تأكلون ولم يكن الله عز وجل ليحرم عليهم من صيد البر في الإحرام إلا ما كان حلالا لهم في الإحلال والله أعلم ، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الغراب والحدأة والعقرب والحية والفأرة والكلب العقور دل ذلك على أن هذا مخرجه ودل على معنى آخر أن ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن العرب كانت لا تأكل مما أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله في الإحرام شيئا وأحل أكل كل ذي ناب من السباع وكانت العرب تأكلها وتدع الأسد والنمر والذئب تحريما له بالتقذر ، وكان الفرق بين ذوات الأنياب أن ما عدا منها على الناس لقوته بنابه حرام وما لم يعد عليهم بنابه الضبع والثعلب وما أشبههما حلال وكذلك تترك الضبوع ولها ناب وهي مما يعدو على حمام الناس وطائرهم ، وكانت تترك مما لا يعدو من الطائر الغراب والحدأة والرخمة والبغاثة ، وكذلك تترك أكل النسر والبازي والصقر والشاهين فكانت داخلة في معنى الخبائث وخارجة من معنى الطيبات فوافقت السنة فيما أحلوا وحرموا مع الكتاب ما وصفت فانظر ما ليس فيه نص تحريم ولا تحليل ، فإن كانت اللحكاء والعظاء والخنافس العرب تأكله فهو داخل في جملة الحلال والطيبات عندهم ; لأنهم كانوا يحللون ما يستطيبون وما لم يكونوا يأكلونه باستقذاره فهو داخل في معنى الخبائث وضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعافه فقيل : أحرام هو يا رسول الله ؟ قال " لا ولكن لم يكن بأرض قومي " فأكل منه بين يديه وهو ينظر إليه ولو كان حراما ما تركه وأكله ولا بأس بأكل الضب