باب الإشهاد عند الدفع إلى اليتامى ( قال ) رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل { الشافعي وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم } الآية ( قال ) رحمه الله تعالى : ففي هذه الآية معنيان أحدهما الأمر بالإشهاد وهو في مثل معنى الآية قبله والله تعالى أعلم من أن يكون الأمر بالإشهاد دلالة لا حتما وفي قول الله عز وجل { الشافعي وكفى بالله حسيبا } كالدليل على الإرخاص في ترك الإشهاد ; لأن الله عز وجل يقول { وكفى بالله حسيبا } أي إن لم تشهدوا والله تعالى أعلم ، والمعنى الثاني أن يكون ولي اليتيم المأمور بالدفع إليه ماله ، والإشهاد به عليه يبرأ بالإشهاد عليه إن جحده اليتيم ولا يبرأ بغيره ، ، أو يكون مأمورا بالإشهاد عليه على الدلالة ، وقد يبرأ بغير شهادة إذا صدقه اليتيم ( قال ) رحمه الله تعالى : والآية محتملة المعنيين معا ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وليس في واحدة من هاتين الآيتين تسمية شهود وتسمية الشهود في غيرهما وتلك التسمية تدل على ما يجوز فيهما وفي غيرهما وتدل معهما السنة ، ثم ما لا أعلم أهل العلم اختلفوا فيه . وفي ذكر الله عز وجل [ ص: 87 ] الشهادات دلالة على أن للشهادات حكما وحكمها والله تعالى أعلم أن يقطع بها بين المتنازعين بدلالة كتاب الله تعالى ، ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إجماع سنذكره في موضعه ، قال الله عز وجل { الشافعي واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا } الآية فسمى الله في الشهادة في الفاحشة ، والفاحشة ها هنا - والله تعالى أعلم - الزنا وفي الزنا أربعة شهود ولا تتم إلا بأربعة شهداء لا امرأة فيهم لأن الظاهر من الشهداء الرجال خاصة دون النساء ودلت السنة على أنه لا يجوز في الزنا أقل من أربعة شهداء وعلى مثل ما دل عليه القرآن في الظاهر من أنهم رجال محصنون فإن قال قائل الفاحشة تحتمل الزنا وغيره فما دل على أنها في هذا الموضع الزنا دون غيره ؟ قيل كتاب الله ، ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ثم ما لا أعلم عالما خالف فيه في قول الله عز وجل في اللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم يمسكن حتى يجعل الله لهن سبيلا ، ثم نزلت { الشهادة في الزنا الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } ودل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن هذا الحد إنما هو على الزناة دون غيرهم لم أعلم في ذلك مخالفا من أهل العلم فإن قال قائل ما دل على أن لا يقطع قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ؟ قيل له : الآيتان من كتاب الله عز وجل يدلان على ذلك ، قال الله عز وجل في القذفة { الحكم في الزنا بأقل من أربعة شهداء لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون } يقول : لولا جاءوا على من قذفوا بالزنا بأربعة شهداء بما قالوا وقول الله عز وجل { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } ودل على ذلك مع الاكتفاء بالتنزيل السنة ، ثم الأثر ، ثم الإجماع ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا ; قال أخبرنا الشافعي عن مالك عن أبيه عن سهيل بن أبي صالح رحمه الله تعالى { أبي هريرة قال يا رسول الله أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم سعدا } ( أخبرنا أن الربيع ) قال أخبرنا قال أخبرنا الشافعي عن مالك يحيى بن سعيد عن أن ابن المسيب رضي الله تعالى عنه سئل عن علي بن أبي طالب فقال إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته وشهد ثلاثة على رجل عند رجل وجد مع امرأته رجلا فقتله أو قتلها بالزنا ولم يثبت الرابع فحد الثلاثة ولم أعلم الناس اختلفوا في أن لا يقام عمر بأقل من أربعة شهداء . الحد في الزنا