( باب العشر ) .
هو واحد الأجزاء العشرة ، والكلام فيه في مواضع في بيان فرضيته وكيفيتها وسببها وشرائطها وقدر المفروض ووقته وصفته وركنه وشرائطه وما يسقطه أما الأول فثابت بالكتاب قوله تعالى - - { وآتوا حقه يوم حصاده } على قول عامة أهل التأويل هو العشر أو نصفه ، وبالسنة { } ، وبالإجماع وأما الكيفية فما تقدم في الزكاة أنه على الفور أو التراخي وأما سببها فالأرض النامية بالخارج حقيقة بخلاف الخراج فإن سببه الأرض النامية حقيقة أو تقديرا بالتمكين فلو تمكن ، ولم يزرع وجب الخراج دون العشر ، ولو أصاب الزرع آفة لم يجبا وقدمنا ما سقته السماء ففيه العشر وما سقي بغرب أو دالية ففيه نصف العشر وأنه على ثلاثة أوجه في مسألة تعجيل الزكاة ، وأما شرائطها فنوعان شرط الأهلية وشرط المحلية فالأول نوعان أحدهما الإسلام ، وأنه شرط ابتداء هذا الحق فلا يبتدأ إلا على مسلم بلا خلاف وأما كونه يتحول إلى الكافر فسيأتي مفصلا والثاني العلم بالفرضية ، وهو [ ص: 255 ] عام في كل عبادة أيضا حكم تعجيل العشر
وأما العقل والبلوغ فليسا من شرائط الوجوب حتى يجب العشر في أرض الصبي والمجنون ; لأن فيه معنى المؤنة ; ولهذا جاز للإمام أن يأخذه جبرا ، ويسقط عن صاحب الأرض إلا أنه لا ثواب له إلا إذا أدى اختيارا ; ولذا لو يؤخذ منه بخلاف الزكاة وكذا ملك الأرض ليس بشرط للوجوب لوجوبه في الأرض الموقوفة ويجب في أرض المأذون والمكاتب ويجب على المؤجر مات من عليه العشر والطعام قائم عنده وعندهما على المستأجر كالمستعير ويسقط عن المؤجر بهلاكه قبل الحصاد لا بعده ، وفي المزارعة على قولهما فالعشر عليهما بالحصة ، وعلى قوله على رب الأرض لكن يجب في حصته في عينه ، وفي حصة المزارع يكون دينا في ذمته ، وفي الأرض المغصوبة على الغاصب إن لم تنقصها الزراعة ، وإن نقصتها فعلى رب الأرض ، عنده وعندهما في الخارج ولو كانت الأرض خراجية فخراجها على رب الأرض في الوجوه كلها بالإجماع إلا في الغصب إذا لم تنقصها الزراعة فخراجها على الغاصب وإن نقصتها فعلى رب الأرض كذا في البدائع وغيره ، وفي الخلاصة والظهيرية أن الخراج إنما يكون على الغاصب إذا كان جاحدا ولا بينة للمالك وزرعها الغاصب أما إذا كان مقرا ، أو للمالك بينة عادلة ، ولم تنقصها الزراعة فالخراج على رب الأرض ا هـ .
وأما شرائط المحلية فأن تكون عشرية فلا عشر في الخارج من أرض الخراج ; لأنهما لا يجتمعان وسيأتي بيان العشرية ووجود الخارج ، وأن يكون الخارج منها مما يقصد بزراعته نماء الأرض فلا عشر في الحطب ونحوه وسيأتي بيان قدره وأما وقته فوقت خروج الزرع وظهور الثمر عند وعند أبي حنيفة وقت الإدراك وعند أبي يوسف عند التنقية والجذاذ وأما ركنه فالتمليك كالزكاة وشرائط الأداء ما قدمناه في الزكاة وأما ما يسقطه فهلاك الخارج من غير صنعه ، وبهلاك البعض يسقط بقدره ، وإن استهلكه غير المالك أخذ الضمان منه وأدى عشره ، وإن استهلكه المالك ضمن عشره وصار دينا في ذمته ، ومنها الردة ، ومنها موت المالك من غير وصية إذا كان قد استهلكه كذا في البدائع مختصرا ( قوله : يجب في عسل أرض العشر ومسقى سماء وسيح بلا شرط نصاب وبقاء إلا الحطب والقصب والحشيش ) أي يجب العشر فيما ذكر أما في العسل فللحديث { محمد } ولأن النحل يتناول من الأنوار والثمار ، وفيهما العشر فكذا فيما يتولد منهما بخلاف دود القز ; لأنه يتناول الأوراق ، ولا عشر فيها أطلقه فتناول القليل والكثير ، وهو مذهب في العسل العشر وقدر الإمام نصابه بخمسة أوسق ، وعن أبو يوسف بخمسة أفراق كل فرق ستة وثلاثون رطلا قيد بأرض العشر ; لأن محمد فلا شيء فيه لما ذكر أن وجوب العشر فيه لكونه بمنزلة الثمر العسل إذا كان في أرض الخراج لامتناع وجوب العشر والخراج في أرض واحدة ، ولا شيء في ثمار أرض الخراج
وفي المعراج : وقول لا شيء فيه أي في العسل ولكن الخراج يجب باعتبار التمكن من الاستنزال ا هـ . محمد
وفي المبسوط أن صاحب الأرض يملك العسل الذي في أرضه ، وإن لم يتخذها لذلك حتى له أن يأخذه ممن أخذه من أرضه بخلاف فهو للآخذ لأن الطير لا يفرخ في موضع ليترك فيه بل ليطير فلم يصر صاحب الأرض محررا للفرخ بملكه ا هـ . الطير إذا فرخ في أرض رجل فجاء رجل وأخذه
ولو وجد العسل في المفازة أو الجبل ففيه اختلاف فعندهما يجب العشر ، وقال : لا شيء فيه ; لأن الأرض ليست بمملوكة ولهما أن المقصود من ملكها النماء وقد حصل وعلى هذا كل ما يوجد في الجبال من الثمار والجوز وبهذا علم أن التقييد بأرض العشر [ ص: 256 ] للاحتراز عن أرض الخراج فقط فلو قال : يجب في عسل أرض غير الخراج لكان أولى وأما أبو يوسف فمتفق عليه للأدلة السابقة وجوبه فيما سقي بالمطر أو بالسيح كماء النيل
وأما قوله بلا شرط نصاب وبقاء فمذهب وشرطاهما فصار الخلاف في موضعين لهما في الأول قوله عليه الصلاة والسلام { الإمام } رواه ليس في حب ، ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق وله إطلاق الآية { مسلم ومما أخرجنا لكم من الأرض } والحديث { } وتأويل مرويهما أن المنقى زكاة التجارة ; لأنهم كانوا يتبايعون بالأوساق ، وقيمة الوسق أربعون درهما أو تعارض الخاص والعام فقدم العام ; لأنه أحوط ، ولهما في الثاني الحديث { فيما سقت السماء العشر } وله التمسك بالعمومات ، وإنما استثنى الثلاثة ; لأنه لا يقصد بها استغلال الأرض غالبا حتى لو استغل بها أرضه وجب العشر ، وعلى هذا كل ما لا يقصد به استغلال الأرض لا يجب فيه العشر مثل السعف والتبن ، وكذا كل حب لا يصلح للزراعة كبزر البطيخ والقثاء لكونها غير مقصودة في نفسها ، وكذا لا عشر فيما هو تابع للأرض كالنحل والأشجار ; لأنه بمنزلة جزء الأرض ; لأنه يتبعها في البيع ليس في الخضراوات صدقة
وكذا كل ما يخرج من الشجر كالصمغ والقطران ; لأنه لا يقصد به الاستغلال ، ويجب في العصفر والكتان وبزره ; لأن كل واحد منها مقصود فيه ثم اختلفا فيما لا يوسق كالزعفران والقطن فاعتبر قيمة أدنى ما يوسق كالذرة واعتبر أبو يوسف خمسة أعداد من أعلى ما يقدر به نوعه فاعتبر في القطن خمسة أحمال كل حمل ثلاثمائة من ، وفي الزعفران خمسة أمناء ولو كان الخارج نوعين يضم أحدهما إلى الآخر لتكميل النصاب إذا اتحد الجنس ، وإن كان جنسين كل واحد أقل من خمسة أوسق فإنه لا يضم ، ونصاب القصب السكر على قول محمد أن تبلغ قيمته قيمة خمسة أوسق من أدنى ما يوسق وعند أبي يوسف محمد خمسة أمناء فإذا بلغ القصب قدرا يخرج منه خمسة أمناء سكر وجب فيه العشر على قوله ، وينبغي أن يكون نصاب القصب عنده خمسة أطنان كما في عرف ديارنا نصاب السكر