[ ص: 250 ] فصل
. فإن قال قائل : قد يجوز أن يكون أهل عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن ، وإن كان من بعدهم من أهل الأعصار لم يعجزوا
قيل : هذا سؤال معروف ، وقد أجيب عنه بوجوه ، منها ما هو صواب ، ومنها ما فيه خلل :
لأن من كان يجيب عنه : بأنهم لا يقدرون على معارضته في الإخبار عن الغيوب إن قدروا على مثل نظمه - فقد سلم المسألة ؛ لأنا ذكرنا أن نظمه معجز لا يقدر عليه ، فإذا أجاب بما قدمناه فقد وافق السائل على مراده .
والوجه أن يقال : فيه طرق :
منها : أنا إذا علمنا أن أهل ذلك العصر كانوا عاجزين عن الإتيان بمثله ، فمن بعدهم أعجز ؛ لأن فصاحة أولئك في وجوه ما كانوا يتفننون فيه من القول ، مما لا يزيد عليه فصاحة من بعدهم ، وأحسن أحوالهم أن يقاربوهم أو يساووهم ، فأما أن يتقدموهم أو يسبقوهم ، فلا .
ومنها : أنا قد علمنا عجز سائر أهل الأعصار كعلمنا بعجز أهل العصر الأول ، والطريق في العلم بكل واحد من الأمرين طريق واحد ؛ لأن التحدي في الكل على جهة واحدة ، والتنافس في الطباع على حد واحد ، والتكليف على منهاج لا يختلف . ولذلك قال الله - تبارك وتعالى - : قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا .