[ ص: 477 ]
خاتمة كتاب دلائل الإعجاز
560- قد بلغنا في مداواة الناس من دائهم وعلاج الفساد الذي عرض في آرائهم كل مبلغ، وانتهينا إلى كل غاية وأخذنا بهم عن المجاهل التي كانوا يتعسفون فيها إلى السنن اللاحب، ونقلناهم عن الآجن المطروق إلى النمير الذي يشفي غليل الشارب ، ولم ندع لباطلهم عرقا ينبض إلا كويناه، ولا للخلاف لسانا ينطق إلا أخرسناه ، ولم نترك غطاء كان على بصر ذي عقل إلا حسرناه ، فيا أيها السامع لما قلناه، والناظر فيما كتبناه، والمتصفح لما دوناه، إن كنت سمعت سماع صادق الرغبة في أن تكون في أمرك على بصيرة، ونظرت نظر تام العناية في أن يورد ويصدر عن معرفة، وتصفحت تصفح من إذا مارس بابا من العلم لم يقنعه إلا أن يكون على ذروة السنام، ويضرب بالمعلى من السهام، فقد هديت لضالتك، وفتح لك الطريق إلى بغيتك وهيئ لك الأداة التي بها تبلغ، وأوتيت الآلة التي معها تصل . فخذ لنفسك بالتي هي أملأ ليديك وأعود بالحظ عليك ووازن بين حالك الآن وقد تنبهت من رقدتك وأفقت من غفلتك وصرت تعلم - إذا أنت خضت في أمر " اللفظ " و " النظم " - معنى ما تذكر وتعلم كيف [ ص: 478 ] تورد وتصدر، وبينها وأنت من أمرها في عمياء، وخابط خبط عشواء . قصاراك أن تكرر ألفاظا لا تعرف لشيء منها تفسيرا، وضروب كلام للبلغاء إن سئلت عن أغراضهم فيها لم تستطع لها تبيينا، فإنك تراك تطيل التعجب من غفلتك وتكثر الاعتذار إلى عقلك من الذي كنت عليه طول مدتك . ونسأل الله تعالى أن يجعل كل ما نأتيه ونقصده وننتحيه لوجهه خالصا، وإلى رضاه عز وجل مؤديا، ولثوابه مقتضيا، وللزلفى عنده موجبا بمنه وفضله ورحمته .