ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى إن الذي يقض مضجع ذوي الأهواء أنهم ينظرون إلى ما عند غيرهم من أسباب المتع والملاذ؛ وإنه هو الذي يمنع صبر من يريد الصبر؛ ويتغيا الحقائق؛ ولذا بعد أن أمر الله (تعالى) نبيه بالصبر؛ نهاه عما يضعف قوة النفس؛ والإرادة؛ ليصون الرسول ومن معه نفسه عن الأسباب التي تضعف الإرادة القوية الباصرة؛ فقال - عز من قائل -: ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا الواو عاطفة النهي عن مد العينين؛ على الأمر بالصبر؛ وفي هذا النهي شحذ الإرادة لتقوى على الصبر؛ كما أشرنا؛ وإن المعنى الذي يبدو من النص أنه نهي للنبي عن أن يلتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ما هم فيه من استيلاء على زخارف الدنيا؛ وزينتها ولا يأخذ نفسه ذلك؛ فيحسب أن لهم به منزلة عند الله (تعالى)؛ بل إنه دليل خسرانهم؛ وإذا كان النهي عن أن يلتفت إلى زينة الحياة الدنيا؛ فهو أمر له - عليه الصلاة والسلام -؛ ومن معه أن يتجهوا إلى معالي الأمور؛ ومعنوياتها؛ عن زخارفها.
وفي الكلام مجاز؛ فقد عبر - سبحانه - عن عدم الالتفات إلى ما أعطاهم من زخارف؛ بقوله: ولا تمدن عينيك أي: لا تطل النظر وتسترسل فيه؛ وذلك يوجب ألا يلتفت؛ فشبه حال الالتفات بحال من يمد بصره؛ وذلك للإمعان في التأمل؛ وفي ذلك تتبع؛ ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للفضل بن عباس؛ وقد أطال النظر في امرأة: "الأولى لك؛ والثانية عليك ".
وقوله (تعالى): إلى ما متعنا به أزواجا منهم "إلى "؛ هي نهاية المد؛ كأن البصر يكون ممتدا من العين إلى متعهم؛ وذلك قد يؤدي إلى النظر إليهم غابطا لهم؛ وما هم في غبطة؛ أو ما يغبطون عليه؛ و "أزواجا "؛ معناها: أشباها متقابلة كبيرة؛ و زهرة الحياة الدنيا مفعول لفعل محذوف؛ أو لـ "متعنا "؛ بتضمينها "أعطينا "؛ والتعبير عن هذه الزخارف؛ وغيرها من أسباب القوة الظاهرة بـ "زهرة "؛ تدل على أمرين؛ أحدهما أنها كالزهرة؛ والزهرة عمرها قصير؛ فهي لا تبقى طويلا؛ والثاني الإشارة [ ص: 4813 ] إلى أن متعة الدنيا بريق لا يكون بعده قوة حقيقية؛ فهي متع كالسراج المزهر؛ سرعان ما ينطفئ؛ وما أنت عليه يا محمد لا ينطفئ نوره أبدا؛ وإن غاية هذه الزهرات إلى انطفاء؛ وهي اختبار لهم؛ ولذلك قال (تعالى): لنفتنهم فيه أي: لنعاملهم معاملة المختبرين؛ فيزدادوا طغيانا على طغيانهم؛ وتنكشف حقيقة أمرهم؛ ويعرف ما فيهم من غي وشر؛ والتعدية بقوله: "فيه "؛ دون التعبير بالباء؛ وللإشارة إلى أنهم مغمورون في فتنة دائمة؛ قد أحاطت بهم؛ فهم يسارعون فيها من جنبة إلى جنبة؛ وقد أحيط بهم.
ورزق ربك خير وأبقى و "الرزق "؛ هو ما يعطيه الله لعباده من أسباب النفقة؛ وقد يطلق على المعاني; لأنها غذاء القلوب؛ وقوت العقول؛ ويكون ذلك من باب المجاز؛ وقد رزق النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من المؤمنين أنواعا ثلاثة من الرزق؛ أولها وأعلاها وأكملها الهداية؛ وثانيها المال الطاهر النقي؛ والثالث القوة في ذات أنفسهم؛ كما بدت في الجهاد.
وهذا خير; لأنه أبقى في ذاته؛ وأبقى لأن له جزاء يوم القيامة؛ وهو النعيم المقيم؛ قال (تعالى):