قلت : لا إبدال في هذا ولكن هذا من جهة الاشتقاق الأكبر وسنبين إن شاء الله وجه القول من جهة الاشتقاق واللغة . وفي الحديث المأثور في سبب نزول هذه الآية رواه في المسند وغيره من حديث الإمام أحمد أبي سعد الصغاني : حدثنا أبو جعفر الرازي [ ص: 216 ] عن الربيع بن أنس عن عن أبي العالية : { أبي بن كعب قل هو الله أحد } { الله الصمد } إلى آخر السورة . قال : الصمد الذي لم يلد ولم يولد ; لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت وليس شيء يموت إلا سيورث وإن الله لا يموت ولا يورث } . وأما تفسيره بأنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج فهو أيضا مروي عن أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك فأنزل الله : { ابن عباس موقوفا ومرفوعا فهو من تفسير الوالبي عن ابن عباس . قال : ( الصمد السيد الذي كمل في سؤدده وهذا مشهور عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال : هو السيد الذي انتهى سؤدده . وعن أبي إسحاق الكوفي عن عكرمة الصمد الذي ليس فوقه أحد . ويروى هذا عن علي وعن كعب الأحبار : الذي لا يكافئه من خلقه أحد وعن السدي أيضا : هو المقصود إليه في الرغائب والمستغاث به عند المصائب . وعن رضي الله عنه هو المستغني عن كل أحد المحتاج إليه كل أحد وعن أبي هريرة سعيد بن جبير أيضا : الكامل في جميع صفاته وأفعاله . وعن الربيع الذي لا تعتريه الآفات . وعن مقاتل بن حيان الذي لا عيب فيه . وعن ابن كيسان هو الذي لا يوصف بصفته أحد . قال أبو بكر الأنباري : لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد السيد الذي ليس فوقه أحد الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم .
[ ص: 217 ] وقال الزجاج هو الذي ينتهي إليه السؤدد فقد صمد له كل شيء أي قصد قصده وقد أنشدوا في هذا بيتين مشهورين أحدهما :
ألا بكر الناعي بخيري بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
وقال الآخر :علوته بحسامي ثم قلت له : خذها حذيف فأنت السيد الصمد
وأن يلتق الحي الجميع تلاقني إلى ذروة البيت الرفيع المصمد
ونحن نذكر ما حضرنا من ألفاظ السلف بأسانيدها . فروى ابن أبي حاتم في تفسيره قال : " ثنا أبي ثنا محمد بن موسى بن نفيع الجرشي ثنا عبد الله بن عيسى يعني أبا خلف الخزاز ثنا عن داود بن أبي هند عكرمة عن ابن عباس في قوله : ( الصمد قال : الصمد الذي تصمد إليه الأشياء إذا نزل بهم كربة أو بلاء .
حدثنا أبو زرعة ثنا محمد بن ثعلبة بن سواء السدوسي ثنا محمد بن سواء ثنا سعيد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم قال : الصمد الذي يصمد العباد إليه في حوائجهم حدثنا أبي ثنا عبد الرحمن بن الضحاك ثنا سويد بن عبد العزيز ثنا سفيان بن حسين عن الحسن قال : الصمد الحي القيوم الذي لا زوال له .
حدثنا أبي ثنا نصر بن علي ثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن الحسن قال : الصمد الباقي بعد خلقه وهو قول قتادة حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا عن ابن نمير الأعمش عن شقيق في قوله : ( الصمد ) قال السيد الذي قد انتهى سؤدده .
[ ص: 220 ] حدثنا أبي ثنا أبو صالح ثنا عن معاوية بن صالح علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : ( الصمد ) قال : السيد الذي قد كمل في سؤدده والشريف الذي قد كمل في شرفه والعظيم الذي قد كمل في عظمته والحليم الذي قد كمل في حلمه والعليم الذي قد كمل في علمه والحكيم الذي قد كمل في حكمته وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد هو الله سبحانه وتعالى هذه صفته لا تنبغي لأحد إلا له ليس له كفؤ وليس كمثله شيء سبحان الله الواحد القهار .
حدثنا كثير بن شهاب المذحجي القزويني ثنا محمد بن سعيد بن سابق ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس في قوله : ( الصمد ) قال : الذي لم يلد ولم يولد .
حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا ابن علية عن أبي رجاء عن عكرمة في قوله ( الصمد ) قال : الذي لم يخرج منه شيء .
حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا أبو أحمد ثنا مندل بن علي عن أبي روق عطية بن الحارث عن عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : ( الصمد ) الذي ليس له أحشاء وروي عن عبد الله بن مسعود سعيد بن المسيب مثله .
حدثنا أبي ثنا محمد بن عمر بن عبد الله الرومي ثنا عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش عن عن صالح بن حيان عن أبيه قال لا أعلمه إلا قد رفعه قال : ( الصمد ) الذي لا جوف [ ص: 221 ] له . عبد الله بن بريدة
وروي عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود في إحدى الروايات والحسن وعكرمة وعطية وسعيد بن جبير ومجاهد في إحدى الروايات والضحاك مثل ذلك . حدثنا أبي ثنا قبيصة ثنا سفيان عن منصور عن مجاهد قال : الصمد المصمت الذي لا جوف له .
حدثنا أبو عبد الله الطهراني ثنا حفص بن عمر العدني ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة في قوله ( الصمد قال : ( الصمد الذي لا يطعم . حدثنا أبي ثنا علي بن هاشم بن مرزوق ثنا هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أنه قال : ( الصمد الذي لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب . حدثنا أبي وأبو زرعة قالا ثنا ثنا أحمد بن منيع محمد بن ميسر - يعني أبا سعد الصغاني - ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن عن أبي العالية في قوله : ( الصمد قال : ( الصمد الذي لم يلد ولم يولد ; لأنه ليس شيء يلد إلا يموت وليس شيء يموت إلا يورث وإن الله لا يموت ولا يورث { أبي بن كعب ولم يكن له كفوا أحد } قال : لم يكن له شبه ولا عدل وليس كمثله شيء . حدثنا ثنا علي بن الحسين محمود بن خداش ثنا أبو سعد الصغاني . ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن عن أبي العالية : " أن المشركين قالوا : انسب لنا ربك فأنزل الله [ ص: 222 ] هذه السورة " حدثنا أبي بن كعب أبو زرعة ثنا العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة { ولم يكن له كفوا أحد } قال : إن الله لا يكافئه من خلقه أحد . حدثنا ثنا علي بن الحسين أبو عبد الله الجرشي ثنا أبو خلف عبد الله بن عيسى ثنا عن داود بن أبي هند عكرمة عن ابن عباس قال : { إن اليهود جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم منهم كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وجدي بن أخطب فقالوا : يا محمد صف لنا ربك الذي بعثك فأنزل الله : { قل هو الله أحد } { الله الصمد } { لم يلد } فيخرج منه الولد { ولم يولد } فيخرج منه شيء } وقال ابن جرير الطبري في تفسيره : حدثنا . أحمد بن منيع المروزي ومحمود بن خداش الطالقاني فذكر مثل إسناد ابن أبي حاتم عن { أبي بن كعب المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك فأنزل الله : { قل هو الله أحد } } . سؤال
حدثنا ابن حميد ثنا يحيى ابن واضح ثنا الحسين عن يزيد عن عكرمة { المشركين قالوا : لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن صفة ربك ما هو ؟ ومن أي شيء هو ؟ فأنزل الله هذه السورة } ورواه أيضا عن أن وعن أبي العالية جابر بن عبد الله حدثنا شريح ثنا إسماعيل بن مجاهد عن الشعبي عن جابر فذكره قال : وقيل : هو من سؤال اليهود . حدثنا ابن حميد ثنا سلمة ثنا عن ابن إسحاق محمد بن سعيد [ ص: 223 ] قال : { أتى رهط من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد هذا الله خلق الخلق فمن خلقه ؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتقع لونه ثم ساورهم غضبا لربه فجاءه جبريل فسكنه وقال اخفض عليك جناحك يا محمد وجاءه من الله جواب ما سألوه عنه قال : يقول الله : { قل هو الله أحد } إلى آخرها فلما تلاها عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له : صف لنا ربك كيف خلقه كيف عضده ؟ كيف ساعده ؟ وكيف ذراعه فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول وساورهم فأتاه جبريل فقال له : مثل مقالته الأولى وأتاه بجواب ما سألوه فأنزل الله { وما قدروا الله حق قدره } } . وروى الحكم بن معبد في ( كتاب الرد على الجهمية قال ثنا عبد الله بن محمد بن النعمان ثنا سلمة بن شبيب ثني يحيى بن عبد الله ثني ضرار عن أبان عن أنس قال : { أتت يهود خيبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم خلق الله الملائكة من نور الحجاب وآدم من حمأ مسنون وإبليس من لهب النار والسماء من دخان والأرض من زبد الماء فأخبرنا عن ربك ؟ قال : فلم يجبهم النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه جبريل فقال يا محمد : { قل هو الله أحد } { الله الصمد } { لم يلد ولم يولد } { ولم يكن له كفوا أحد } ليس له عروق شعب إليها .
الصمد ليس بأجوف ولا يأكل [ ص: 224 ] ولا يشرب { لم يلد ولم يولد } ليس له ولد ولا والد ينسب إليه { ولم يكن له كفوا أحد } ليس شيء من خلقه يعدل مكانه يمسك السموات والأرض أن تزولا } الحديث . وقال ابن جرير : ثنا عبد الرحمن بن الأسود ثنا محمد بن ربيعة عن سلمة بن سابور عن عطية عن ابن عباس قال : ( الصمد الذي ليس بأجوف حدثنا ثنا ابن بشار عبد الرحمن ثنا سفيان عن منصور عن مجاهد ( الصمد المصمت الذي لا جوف له حدثنا ثنا أبو كريب وكيع عن سفيان عن منصور مثله سواء . حدثنا الحارث ثنا الحسن ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله حدثنا ثنا ابن بشار عبد الرحمن ثنا الربيع بن مسلم عن الحسن قال : ( الصمد الذي لا جوف له وبهذا الإسناد عن إبراهيم ابن ميسرة قال : أرسلني مجاهد إلى سعيد بن جبير أسأله عن ( الصمد فقال : الذي لا جوف له حدثنا ثنا ابن بشار يحيى ثنا إسماعيل ابن أبي خالد عن الشعبي قال : ( الصمد الذي لا يطعم الطعام ورواه يعقوب عن هشيم عن إسماعيل عنه قال : لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب . حدثنا ابن بشار وزيد بن أخزم قالا : ثنا ابن داود عن المستقيم ابن عبد الملك عن سعيد بن المسيب قال : ( الصمد الذي لا حشو [ ص: 225 ] له حدثنا الحسين ثنا أبو معاذ ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول : ( الصمد الذي لا جوف له وروى عن ابن بريدة فيه حديثا مرفوعا لكنه ضعيف قال : وقال آخرون هو الذي لا يخرج منه شيء حدثنا يعقوب بن أبي علية عن أبي رجاء سمعت عكرمة قال في قوله : ( الصمد لم يخرج منه شيء : لم يلد ولم يولد حدثنا ثنا ابن بشار ثنا محمد بن جعفر شعبة عن أبي رجاء محمد بن يوسف عن عكرمة قال : ( الصمد الذي لا يخرج منه شيء .
وقال آخرون لم يلد ولم يولد وذكر حديث الذي رواه أبي بن كعب ابن أبي حاتم والذي فيه : أنه سبحانه لا يموت ولا يورث قال : وقال آخرون : هو السيد الذي انتهى في سؤدده قال : وثنا أبو السائب ثنا عن أبو معاوية الأعمش عن شقيق قال : ( الصمد هو السيد الذي انتهى في سؤدده حدثنا أبو كريب وابن بشار وابن عبد الأعلى قالوا : ثنا وكيع عن الأعمش عن أبي وائل قال ( الصمد السيد الذي انتهى في سؤدده حدثنا ابن حميد ثنا مهران عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل مثله حدثنا أبو صالح ثنا معاوية عن علي عن ابن عباس في قوله : ( الصمد قال السيد الذي قد كمل في سؤدده وذكر مثل الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم كما تقدم . [ ص: 226 ] قلت : الاشتقاق يشهد للقولين جميعا قول من قال : إن ( الصمد الذي لا جوف له وقول من قال إنه السيد وهو على الأول أدل ; فإن الأول أصل للثاني ولفظ ( الصمد يقال على ما لا جوف له في اللغة . قال يحيى بن أبي كثير الملائكة صمد والآدميون جوف وفي حديث آدم أن إبليس قال عنه أنه أجوف ليس بصمد وقال الجوهري : المصمد لغة في المصمت وهو الذي لا جوف له قال والصماد عفاص القارورة وقال : الصمد المكان المرتفع الغليظ قال أبو النجم :
" يغادر الصمد كظهر الأجزل "
وأصل هذه المادة الجمع والقوة ومنه يقال يصمد المال : أي يجمعه وكذلك " السيد " أصله سيود اجتمعت ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت . كما قيل ميت وأصله ميوت . والمادة في السواد والسؤدد تدل على الجمع واللون الأسود هو الجامع للبصر . وقد وسيدا وحصورا } قال أكثر قال الله تعالى : { السلف ( سيدا حليما وكذلك يروى عن الحسن . وسعيد بن جبير . وعكرمة وعطاء . و أبي الشعثاء والربيع بن أنس . ومقاتل وقال : أبو روق عن الضحاك أنه الحسن الخلق .وروى سالم عن سعيد بن جبير أنه التقي ولا يسود الرجل الناس حتى يكون في نفسه مجتمع الخلق ثابتا . [ ص: 227 ] وقال : ما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود من عبد الله بن عمر معاوية فقيل له : ولا أبو بكر ولا عمر قال : كان أبو بكر وعمر خيرا منه وما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود من معاوية . قال : يعني به الحليم أو قال : الكريم ولهذا قيل : أحمد بن حنبل
إذا شئت يوما أن تسود قبيلة فبالحلم سد لا بالتسرع والشتم
قال النابغة :
خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
قال الشاعر :
أعلمه الرماية كل يوم فلما استد ساعده رماني
وأما المعنى الثاني في الاشتقاق وهو أن يكون أحدهما أصلا للآخر [ ص: 232 ] فهذا إذا عنى به أن أحدهما تكلم به قبل الآخر لم يقم على هذا دليل في أكثر المواضع وإن عنى به أن أحدهما متقدم على الآخر في العقل لكون هذا مفردا وهذا مركبا فالفعل مشتق من المصدر والاشتقاق الأصغر اتفاق القولين في الحروف وترتيبها والأوسط اتفاقهما في الحروف لا في الترتيب والأكبر اتفاقهما في أعيان بعض الحروف وفي الجنس لا في الباقي كاتفاقهما في كونهما من حروف الحلق إذا قيل حزر وعزر وأزر فإن الجميع فيه معنى القوة والشدة وقد اشتركت مع الراء والزاي والحاء في أن الثلاثة حروف حلقية وعلى هذا فإذا قيل : الصمد بمعنى المصمت وأنه مشتق منه بهذا الاعتبار فهو صحيح فإن الدال أخت التاء ; فإن الصمت السكوت وهو إمساك . وإطباق للفم عن الكلام . قال : المصمت الذي لا جوف له وقد أصمته أنا وباب مصمت قد أبهم إغلاقه . والمصمت من الخيل البهيم أي لا يخالط لونه لون آخر ومنه قول أبو عبيد ابن عباس : إنما حرم من الحرير المصمت فالمصمد والمصمت متفقان في الاشتقاق الأكبر وليست الدال منقلبة عن التاء بل الدال أقوى والمصمد أكمل في معناه من المصمت وكلما قوي الحرف كان معناه أقوى فإن لغة الرب في غاية الإحكام والتناسب ولهذا كان الصمت إمساك عن الكلام مع [ ص: 233 ] إمكانه والإنسان أجوف يخرج الكلام من فيه لكنه قد يصمت بخلاف الصمد فإنه إنما استعمل فيما لا تفرق فيه كالصمد والسيد والصمد من الأرض وصماد القارورة ونحو ذلك . فليس في هذه الألفاظ المتناسبة أكمل من ألفاظ الصمد فإن فيه الصاد والميم والدال وكل من هذه الحروف الثلاثة لها مزية على ما يناسبها من الحروف والمعاني المدلول عليها بمثل هذه الحروف أكمل . ومما يناسب هذه المعاني معنى " الصبر " فإن الصبر فيه جمع وإمساك ولهذا قيل : الصبر حبس النفس عن الجزع يقال صبر وصبرته أنا ومنه قوله تعالى : { واصبر نفسك } وكذلك معنى السيد الصمد خلاف معنى الجزوع المنوع ومنه الصبرة من الطعام فإنها مجتمعة مكومة والصبارة الحجارة وصبر الشيء غلظه وضده الجزع وفيه معنى التقطع والتفرق يقال جزع له جزعة من المال أي قطع له قطعة والجزوعة القطعة من الغنم واجتزعت من الشجر عودا أي اقتطعته واكتسرته وجزعت الوادي إذا قطعته عرضا والجزع منعطف الوادي ومنه الجزع وهو الخرز اليماني الذي فيه بياض وسواد وكذلك جزع البسر تجزيعا إذا أرطب نصفه [ أو ] ثلثاه وهو خلاف قولهم مصمت للون الواحد لما في ذلك من الاجتماع وفي هذا من التفرق .
وقد إن الإنسان خلق هلوعا } { قال تعالى : { إذا مسه الشر جزوعا } { وإذا مسه الخير منوعا } قال الجوهري : الهلع أفحش الجزع وقال غيره : هو في اللغة أشد الحرص وأسوأ الجزع ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم { } وناقة هلوع إذا كانت سريعة السير خفيفة وذئب هلع بلع والهلع من الحرص والبلع من الابتلاع ولهذا كان كلام شر ما في المرء شح هالع وجبن خالع السلف في تفسيره يتضمن هذه المعاني فروي عن ابن عباس قال : هو الذي إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا . وروي عنه أنه قال : هو الحريص على ما لا يحل له . وعن سعيد بن جبير : شحيحا . وعن عكرمة : ضجورا . وعن جعفر : حريصا وعن الحسن والضحاك : بخيلا وعن مجاهد : شرها وعن الضحاك أيضا : الهلوع الذي لا يشبع وعن مقاتل : ضيق القلب وعن عطاء : عجولا وهذه المعاني كلها تنافي الثبات والقوة والاجتماع والإمساك والصبر وقد قال تعالى : { لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم } وهذا وإن كان قد قيل إن المراد به أنها تنصدع فيموتون فإنه كما قيل : في مثل ذلك قد انصدع قلبه وقد تفرق قلبي وقد تشتت قلبي وقد تقسم قلبي ومنه يقال للخوف : قد فرق قلبه ويقال : بإزاء ذلك هو ثابت القلب مجتمع القلب مجموع القلب .