[ ص: 4379 ] القول في تأويل قوله تعالى :
[72 - 74] وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز .
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات أي : حال كونها واضحة الدلالة على حقيقتها وما تضمنته : تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر أي : الإنكار أو الفظيع من التهجم والبسور . أو الشر الذي يقصدونه بظهور مخايله : يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا أي : يبطشون بهم من فرط الغيظ والغضب . قال في (" فتح البيان " ) : وكذلك أهل البدع المضلة ، إذا سمع الواحد منهم ما يتلوه العالم عليه ، من آيات الكتاب العزيز أو من السنة الصحيحة ، مخالفا لما اعتقده من الباطل ، رأيت في وجهه من المنكر ، ما لو تمكن من أن يسطو بذلك لفعل به ما لا يفعله به ما لا يفعله بالمشركين والله يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق : قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير يا أيها الناس ضرب أي : بين : مثل أي : حال مستغرب : فاستمعوا له أي : تدبروه حق تدبره . فإن الاستماع بلا تدبر وتعقل لا ينفع : إن الذين تدعون من دون الله يعني : الأصنام : لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له أي : لخلقه متعاونين . وتخصيصه الذباب ، لمهانته [ ص: 4380 ] وضفعه واستقذاره . وهذا من أبلغ ما أنزل في تجهيل المشركين . حيث وصفوا بالإلهية التي تقتضي الاقتدار على المقدورات كلها ، والإحاطة بالمعلومات عن آخرها ، صورا وتماثيل ، يستحيل منها أن تقدر على أقل ما خلقه الله تعالى وأذله ، ولو اجتمعوا لذلك : وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه أي : هذا الخلق الأقل الأذل ، لو اختطف منهم شيئا فاجتمعوا على أن يستخلصوه منه ، لم يقدروا : ضعف الطالب أي : الصنم يطلب ما سلب منه : والمطلوب أي : الذباب بما سلب . وهذا كالتسوية بينهم وبين الذباب في الضعف . ولو حققت وجدت الطالب أضعف وأضعف . فإن الذباب حيوان وهو جماد . وهو غالب وذلك مغلوب . وجوز أن يراد بالطالب عابد الصنم ، وبالمطلوب معبوده . قيل : وهو أنسب بالسياق لأنه لتجهيلهم وتحقير معبوداتهم . فناسب إرادتهم والأصنام من هذا التذييل . واختار الوجه الأول . لما فيه من التهكم ، بجعل الصنم طالبا على الفرض تهكما وأنه أضعف من الذباب لأنه مسلوب وجماد ، وذلك حيوان بخلافه . الزمخشري
وهذه الجملة التذييلية إخبار أو تعجب . وقوله تعالى : ما قدروا الله حق قدره أي : ما عرفوه حق معرفته ، حيث أشركوا به ما لا يمتنع من الذباب ولا ينتصف منه : إن الله لقوي عزيز أي : قادر وغالب . فكيف يتخذ العاجز المغلوب شبيها به . أو لقوي بنصر أوليائه ، عزيز ينتقم من أعدائه .