قوله تعالى: لكن الراسخون في العلم قال : هذا استثناء [ ص: 251 ] لمؤمني أهل الكتاب ، فأما الراسخون ، فهم الثابتون في العلم . قال ابن عباس وهم أبو سليمان: ومن آمن معه ، والذين آمنوا من أهل الإنجيل ممن قدم مع عبد الله بن سلام ، جعفر من الحبشة ، والمؤمنون ، يعني: أصحاب رسول الله . فأما قوله: والمقيمين الصلاة فهم القائمون بأدائها كما أمروا .
وفي نصب "المقيمين" أربعة أقوال .
أحدها: أنه خطأ من الكاتب ، وهذا قول وروي عن عائشة ، أنه قال: إن في المصحف لحنا ستقيمه عثمان بن عفان العرب بألسنتها . وقد قرأ ابن مسعود ، وأبي ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، والجحدري: "والمقيمون الصلاة" بالواو .
[ ص: 252 ] وقال : قول من قال إنه خطأ ، بعيد جدا ، لأن الذين جمعوا القرآن هم أهل اللغة ، والقدوة ، فكيف يتركون في كتاب الله شيئا يصلحه غيرهم؟! فلا ينبغي أن ينسب هذا إليهم . وقال الزجاج حديث ابن الأنباري: لا يصح ، لأنه غير متصل ، ومحال أن يؤخر عثمان شيئا فاسدا ، ليصلحه من بعده . عثمان
والثاني: أنه نسق على "ما" والمعنى: يؤمنون بما أنزل إليك ، وبالمقيمين الصلاة ، فقيل: هم الملائكة ، وقيل: الأنبياء .
والثالث: أنه نسق على الهاء والميم من قوله: "منهم" فالمعنى: لكن الراسخون في العلم ، منهم ومن المقيمين الصلاة يؤمنون بما أنزل إليك ، قال : وهذا رديء عند النحويين ، لا ينسق بالظاهر المجرور على المضمر المجرور إلا في الشعر . الزجاج
[ ص: 253 ] والرابع: أنه منصوب على المدح ، فالمعنى: اذكر المقيمين الصلاة ، وهم المؤتون الزكاة . وأنشدوا:
لا يبعدن قومي الذين هم سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك
والطيبون معاقد الأزر
[ ص: 254 ] وهذا على معنى: اذكر النازلين ، وهم الطيبون ، ومن هذا قولك: مررت بزيد الكريم ، إن أردت أن تخلصه من غيره ، فالخفض هو الكلام ، وإن أردت المدح والثناء ، فإن شئت نصبت ، فقلت: بزيد الكريم ، كأنك قلت: اذكر الكريم ، وإن شئت رفعت على معنى: هو الكريم . وتقول: جاءني قومك المطعمين في المحل ، والمغيثون في الشدائد على معنى: اذكر المطعمين ، وهم المغيثون ، وهذا القول اختيار الخليل ، فهذه الأقوال . حكاها وسيبويه . ، واختار هذا القول . الزجاج