[ ص: 5 ] قوله تعالى : أكان للناس عجبا سبب نزولها : أن الله تعالى لما بعث محمدا صلى الله عليه وسلم أنكرت الكفار ذلك، وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد ، فنزلت هذه الآية . والمراد بالناس هاهنا : أهل مكة ، والمراد بالرجل : محمد صلى الله عليه وسلم . ومعنى " منهم " : يعرفون نسبه ، قاله ، فأما الألف فهي للتوبيخ والإنكار . قال ابن عباس والاحتجاج عليهم في كونهم عجبوا من إرسال ابن الأنباري محمد ، محذوف هاهنا ، وهو مبين في قوله : نحن قسمنا بينهم معيشتهم [الزخرف :32] أي : فكما وضح لكم هذا التفاضل بالمشاهدة ، فلا تنكروا وإنما حذفه هاهنا اعتمادا على ما بينه في موضع آخر . قال : وقيل : إنما عجبوا من ذكر البعث والنشور ، لأن الإنذار والتبشير يتصلان بهما ، فكان جوابهم في مواضع كثيرة تدل على كون ذلك ، مثل قوله : تفضيل الله من شاء بالنبوة ; وهو أهون عليه [الروم :27] ، وقوله : يحييها الذي أنشأها أول مرة [يس :79] .
وفي المراد بقوله : " قدم صدق " سبعة أقوال :
أحدها : أنه الثواب بما قدموا من أعمالهم ، رواه الحسن عن العوفي ، وروى عنه ابن عباس قال: عمل صالح يقدمون عليه . أبو صالح
والثاني : أنه ما سبق لهم من السعادة في الذكر الأول ، رواه ابن أبي طلحة عن . قال ابن عباس سابقة صدق . أبو عبيدة :
والثالث : شفيع صدق ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم يشفع لهم يوم القيامة ، قاله . الحسن
والرابع : سلف صدق تقدموهم بالإيمان ، قاله ، مجاهد . وقتادة
والخامس : مقام صدق لا زوال عنه ، قاله . [ ص: 6 ] والسادس : أن قدم الصدق : المنزلة الرفيعة ، قاله عطاء الزجاج
والسابع : أن القدم هاهنا : مصيبة المسلمين بنبيهم صلى الله عليه وسلم وما يلحقهم من ثواب الله عند أسفهم على فقده ومحبتهم لمشاهدته ، ذكره . ابن الأنباري
فإن قيل : لم آثر القدم هاهنا على اليد ، والعرب تستعمل اليد في موضع الإحسان ؟
فالجواب : أن القدم ذكرت هاهنا للتقدم ، لأن العادة جارية بتقدم الساعي على قدميه ، والعرب تجعلها كناية عن العمل الذي يتقدم فيه ولا يقع فيه تأخر ، قال ذو الرمة :
لكم قدم لا ينكر الناس أنها مع الحسب العادي طمت على البحر
فإن قيل : ما وجه إضافة القدم إلى الصدق ؟
فالجواب : أن ذلك مدح للقدم وكل شيء أضفته إلى الصدق ، فقد مدحته; ومثله : أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق [الإسراء :80] ، وقوله : في مقعد صدق [القمر :55] . وفي الكلام محذوف ، تقديره : أوحينا إلى رجل منهم ، فلما أتاهم الوحي " قال الكافرون إن هذا لسحر مبين " قرأ ، ابن كثير ، وعاصم ، وحمزة : " لساحر " بألف . وقرأ والكسائي ، نافع ، وأبو عمرو : " لسحر " بغير ألف . قال وابن عامر أبو علي : قد تقدم قوله : " أن أوحينا إلى رجل منهم " فمن قال : ساحر ، أراد الرجل ; ومن قال : سحر ، أراد الذي أوحي ، سحر ، أي : الذي تقولون أنتم فيه : إنه وحي ، سحر . قال : [ ص: 7 ] لما أنذرهم بالبعث والنشور ، فقالوا : هذا سحر ، أخبرهم أن الذي خلق السموات والأرض قادر على بعثهم بقوله : " الزجاج إن ربكم الله " وقد سبق تفسيره في (الأعراف 54) .
قوله تعالى : يدبر الأمر قال : يقضيه . وقال غيره يأمر به ويمضيه . مجاهد
قوله تعالى : ما من شفيع إلا من بعد إذنه فيه قولان :
أحدهما : لا يشفع أحد إلا أن يأذن له ، قاله . قال ابن عباس : لم يجر للشفيع ذكر قبل هذا ، ولكن الذين خوطبوا كانوا يقولون : الأصنام شفعاؤنا . الزجاج
والثاني : أن المعنى : لا ثاني معه ، مأخوذ من الشفع ، لأنه لم يكن معه أحد ، ثم خلق الأشياء . فقوله : " إلا من بعد إذنه " أي : من بعد أمره أن يكون الخلق فكان ، ذكره . الماوردي
قوله تعالى : " فاعبدوه " قال : وحدوه . وقال مقاتل : المعنى : فاعبدوه وحده . وقوله : " تذكرون " معناه : تتعظون . الزجاج