ولما ذكر الطاغي، أتبعه المتقي فقال: وأما من خاف ولما [كان - ] ذلك الخوف مما يتعلق بالشيء لأجل ذلك الشيء أعظم من ذكر الخوف من ذلك الشيء نفسه فقال: مقام ربه أي قيامه بين يدي المحسن إليه عند تذكر إحسانه فلم يطغ فكيف عند تذكر جلاله وانتقامه، أو المكان الذي يقوم فيه بين يديه والزمان، وإذا خاف ذلك [المقام - ] فما ظنك بالخوف من صاحبه، وهذا لا يفعله إلا من تحقق المعاد.
ولما ذكر الخوف ذكر ما يتأثر عنه ولم يجعله مسببا عنه ليفهم أن كلا منهما فاصل على حياله وإن انفصل عن الآخر فقال: [ ص: 244 ] ونهى النفس أي التي لها المنافسة عن الهوى أي كل ما تهواه فإنه لا يجر إلى خير لأن النار حفت بالشهوات، والشرع كله مبني على ما يخالف الطبع وما تهوى الأنفس، وذلك هو المحارم التي حفت بها النار فإنها بالشهوات، قال الرازي : والهوى هو الشهوة المذمومة المخالفة لأوامر الشرع. قال إذا خالفت النفس هواها صار داؤها دواءها، أي فأفاد ذلك أنه لم يؤثر الحياة الدنيا، فالآية من الاحتباك: أتى بطغى دليلا على ضده ثانيا، وبالنهي عن الهوى ثانيا دلالة على إيثار الدنيا أولا.
الجنيد: