[ ص: 156 ] ولما كان كل مميز يدعي أنه في الذروة من الرشاد؛ نعتهم بما بين من يعتد بعقله؛ فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=24406_32063_32438_33084_33143_33179_34513_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191الذين يذكرون الله ؛ أي: الذي ليس في خلقه لهما؛ ولا لغيرهما شك؛ وله جميع أوصاف الكمال.
ولما كان المقصود الدوام؛ وكان قد يتجوز به عن الأكثر؛ عبر عنه لهذا التفصيل؛ نفيا لاحتمال التجوز؛ ودفعا لدعوى العذر؛ فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191قياما وقعودا ؛ ولما كان أكثر الاضطجاع على الجنب؛ قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191وعلى جنوبهم ؛ أي: في اشتغالهم بأشغالهم؛ وفي وقت استراحتهم؛ وعند منامهم؛ فهم في غاية المراقبة.
ولما بدأ من أوصافهم بما يجلو أصداء القلوب؛ ويسكنها؛ وينفي عنها الوساوس؛ حتى استعدت لتجليات الحق؛ وقبول الفيض بالفكر؛ لانتفاء قوة الشهوة؛ وسورة الغضب وقهرهما؛ وضعف داعية الهوى؛ فزالت نزغات الشيطان؛ ووساوسه؛ وخطرات النفس؛ ومغالطات الوهم؛ قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191ويتفكرون ؛ أي: على الأحوال.
ولما كانت آيات المعرفة؛ إما في الآفاق؛ وإما في الأنفس؛ وكانت آيات الآفاق أعظم -
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=57لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس -؛ قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191في خلق السماوات والأرض ؛ على كبرهما؛ واتساعهما؛ وقوة ما فيهما من المنافع؛ لحصر الخلائق؛ فيعلمون - بما في ذلك من الأحكام؛
[ ص: 157 ] مع جري ما فيهما من الحيوان؛ الذي خلقا لأجله؛ على غير انتظام - أن وراء هذه الدار دارا؛ يثبت فيها الحق؛ وينفى الباطل ويظهر العدل؛ ويضمحل الجور؛ فيقولون - تضرعا إليه؛ وإقبالا عليه -:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191ربنا ؛ أي: أيها المحسن إلينا؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191ما خلقت هذا ؛ أي: الخلق العظيم؛ المحكم؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191باطلا ؛ أي: لأجل هذه الدار التي لا تفصل فيها على ما شرعت القضايا؛ ولا تنصف فيها الرعاة الرعايا؛ بل إنما خلقته لأجل دار أخرى؛ يكون فيها محض العدل؛ ويظهر فيها الفصل.
ولما كان الاقتصار على هذه الدار؛ مع ما يشاهده من ظهور الأشرار؛ نقصا ظاهرا؛ وخللا بينا؛ نزهوه عنه؛ فقالوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191سبحانك ؛ وفي ذلك تعليم العباد أدب الدعاء؛ بتقديم الثناء قبله؛ وتنبيه على أن العبد كلما غزرت معرفته؛ زاد خوفه؛ فزاد تضرعه؛ فإنه يحسن منه كل شيء؛ من تعذيب الطائع؛ وغيره؛ ولولا أن ذلك كذلك؛ لكان الدعاء بدفعه عبثا؛ وما أحسن ختمها! حين تسبب عما مضى تيقنهم أن أمامنا دارا يظهر فيها العدل؛ مما هو شأن كل أحد في عبيده؛ فيعذب فيها العاصي؛ وينعم فيها الطائع؛ كما هو دأب كل ملك في رعيته؛ بقولهم
[ ص: 158 ] - رغبة في الخلاص في تلك الدار -:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191فقنا عذاب النار ؛ على وجه جمع بين ذكر العذاب المختتم به آية محبي المحمدة بالباطل؛ والنار المحذر منها في:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=185فمن زحزح عن النار ؛
[ ص: 156 ] وَلَمَّا كَانَ كُلُّ مُمَيَّزٍ يَدَّعِي أَنَّهُ فِي الذِّرْوَةِ مِنَ الرَّشَادِ؛ نَعَتَهُمْ بِمَا بَيَّنَ مَنْ يَعْتَدُّ بِعَقْلِهِ؛ فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=24406_32063_32438_33084_33143_33179_34513_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ ؛ أَيْ: الَّذِي لَيْسَ فِي خَلْقِهِ لَهُمَا؛ وَلَا لِغَيْرِهِمَا شَكَّ؛ وَلَهُ جَمِيعُ أَوْصَافِ الْكَمَالِ.
وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ الدَّوَامَ؛ وَكَانَ قَدْ يَتَجَوَّزُ بِهِ عَنِ الْأَكْثَرِ؛ عَبَّرَ عَنْهُ لِهَذَا التَّفْصِيلِ؛ نَفْيًا لِاحْتِمَالِ التَّجَوُّزِ؛ وَدَفْعًا لِدَعْوَى الْعُذْرِ؛ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191قِيَامًا وَقُعُودًا ؛ وَلَمَّا كَانَ أَكْثَرُ الِاضْطِجَاعِ عَلَى الْجَنْبِ؛ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ؛ أَيْ: فِي اشْتِغَالِهِمْ بِأَشْغَالِهِمْ؛ وَفِي وَقْتِ اسْتِرَاحَتِهِمْ؛ وَعِنْدَ مَنَامِهِمْ؛ فَهُمْ فِي غَايَةِ الْمُرَاقَبَةِ.
وَلَمَّا بَدَأَ مِنْ أَوْصَافِهِمْ بِمَا يَجْلُو أَصْدَاءَ الْقُلُوبِ؛ وَيُسَكِّنُهَا؛ وَيَنْفِي عَنْهَا الْوَسَاوِسَ؛ حَتَّى اسْتَعَدَّتْ لِتَجَلِّيَاتِ الْحَقِّ؛ وَقَبُولِ الْفَيْضِ بِالْفِكْرِ؛ لِانْتِفَاءِ قُوَّةِ الشَّهْوَةِ؛ وَسَوْرَةِ الْغَضَبِ وَقَهْرِهِمَا؛ وَضَعْفِ دَاعِيَةِ الْهَوَى؛ فَزَالَتْ نَزَغَاتُ الشَّيْطَانِ؛ وَوَسَاوِسُهُ؛ وَخَطَرَاتُ النَّفْسِ؛ وَمُغَالَطَاتُ الْوَهْمِ؛ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191وَيَتَفَكَّرُونَ ؛ أَيْ: عَلَى الْأَحْوَالِ.
وَلَمَّا كَانَتْ آيَاتُ الْمَعْرِفَةِ؛ إِمَّا فِي الْآفَاقِ؛ وَإِمَّا فِي الْأَنْفُسِ؛ وَكَانَتْ آيَاتُ الْآفَاقِ أَعْظَمَ -
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=57لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ -؛ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ؛ عَلَى كِبَرِهِمَا؛ وَاتِّسَاعِهِمَا؛ وَقُوَّةِ مَا فِيهِمَا مِنَ الْمَنَافِعِ؛ لِحَصْرِ الْخَلَائِقِ؛ فَيَعْلَمُونَ - بِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ؛
[ ص: 157 ] مَعَ جَرْيِ مَا فِيهِمَا مِنَ الْحَيَوَانِ؛ الَّذِي خُلِقَا لِأَجْلِهِ؛ عَلَى غَيْرِ انْتِظَامٍ - أَنَّ وَرَاءَ هَذِهِ الدَّارِ دَارًا؛ يُثْبَتُ فِيهَا الْحَقُّ؛ وَيُنْفَى الْبَاطِلُ وَيُظْهَرُ الْعَدْلُ؛ وَيَضْمَحِلُّ الْجَوْرُ؛ فَيَقُولُونَ - تَضَرُّعًا إِلَيْهِ؛ وَإِقْبَالًا عَلَيْهِ -:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191رَبَّنَا ؛ أَيْ: أَيُّهَا الْمُحْسِنُ إِلَيْنَا؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191مَا خَلَقْتَ هَذَا ؛ أَيْ: الْخَلْقَ الْعَظِيمَ؛ الْمُحْكَمَ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191بَاطِلا ؛ أَيْ: لِأَجْلِ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي لَا تُفْصَلُ فِيهَا عَلَى مَا شَرَعْتَ الْقَضَايَا؛ وَلَا تَنْصِفُ فِيهَا الرُّعَاةُ الرَّعَايَا؛ بَلْ إِنَّمَا خَلَقْتَهُ لِأَجْلِ دَارٍ أُخْرَى؛ يَكُونُ فِيهَا مَحْضُ الْعَدْلِ؛ وَيَظْهَرُ فِيهَا الْفَصْلُ.
وَلَمَّا كَانَ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذِهِ الدَّارِ؛ مَعَ مَا يُشَاهِدُهُ مِنْ ظُهُورِ الْأَشْرَارِ؛ نَقْصًا ظَاهِرًا؛ وَخَلَلًا بَيِّنًا؛ نَزَّهُوهُ عَنْهُ؛ فَقَالُوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191سُبْحَانَكَ ؛ وَفِي ذَلِكَ تَعْلِيمُ الْعِبَادِ أَدَبَ الدُّعَاءِ؛ بِتَقْدِيمِ الثَّنَاءِ قَبْلَهُ؛ وَتَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ كُلَّمَا غَزُرَتْ مَعْرِفَتُهُ؛ زَادَ خَوْفُهُ؛ فَزَادَ تَضَرُّعُهُ؛ فَإِنَّهُ يَحْسُنُ مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ؛ مِنْ تَعْذِيبِ الطَّائِعِ؛ وَغَيْرِهِ؛ وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ لَكَانَ الدُّعَاءُ بِدَفْعِهِ عَبَثًا؛ وَمَا أَحْسَنَ خَتْمَهَا! حِينَ تَسَبَّبَ عَمَّا مَضَى تَيَقُّنُهُمْ أَنَّ أَمَامَنَا دَارًا يَظْهَرُ فِيهَا الْعَدْلُ؛ مِمَّا هُوَ شَأْنُ كُلِّ أَحَدٍ فِي عَبِيدِهِ؛ فَيُعَذِّبُ فِيهَا الْعَاصِيَ؛ وَيُنَعِّمُ فِيهَا الطَّائِعَ؛ كَمَا هُوَ دَأْبُ كُلِّ مَلِكٍ فِي رَعِيَّتِهِ؛ بِقَوْلِهِمْ
[ ص: 158 ] - رَغْبَةً فِي الْخَلَاصِ فِي تِلْكَ الدَّارِ -:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ؛ عَلَى وَجْهٍ جَمَعَ بَيْنَ ذِكْرِ الْعَذَابِ الْمُخْتَتَمِ بِهِ آيَةُ مُحِبِّي الْمَحْمَدَةِ بِالْبَاطِلِ؛ وَالنَّارِ الْمُحَذَّرِ مِنْهَا فِي:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=185فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ ؛