ولما كان هذا دليلا شهوديا بعد الأدلة العقلية على ما تقدم الوعد [ ص: 217 ] به، سبب عنه الإنكار عليهم فقال: أفمن كان أي: في جميع أحواله على بينة أي: حالة ظاهرة البيان في أنها حق من ربه المربي المدبر له المحسن إليه بما يقيم من الأدلة التي تعجز الخلائق أجمع عن أن يأتوا بواحد منها فبصر سوء عمله وأريه على حقيقته فرآه سيئا فاجتنبه مخالفا لهواه، قال القشيري: العلماء في ضياء برهانهم والعارفون في ضياء بيانهم. كمن زين له بتزيين الشيطان بتسليطنا له عليه وخلقنا للآثار بأيسر أمر سوء عمله من شرك أو معصية دونه.
ولما كان التقدير: فرآه حسنا فعمله ملازما له، فكان على عمى وضلال، وكان قد أفرد الضمير لقبول "من" له من جهة لفظها، جمع ردا على معناها بتعميم القبح مثنى وفرادى، وإشارة إلى [أن] القبيح يكون أولا قليلا جدا، فمتى غفل عنه فلم تحسم مادته دب وانتشر فقال عاطفا على ما قدرته: واتبعوا أهواءهم فلا شبهة لهم في شيء من أعمالهم السيئة فضلا عن دليل، والآية من الاحتباك [ ص: 218 ] ذكر البينة أولا دليلا على ضدها ثانيا، والتزيين واتباع الهوى ثانيا دليلا على ضدهما أولا، وسره أنه ذكر الأصل الجامع للخير ترغيبا والأصل الجامع للشر ترهيبا.