ولما دل على أن شفعاءهم ليست بأهل للشفاعة؛ وعلى أن الأمر كله مقصور عليه؛ وختم بأنه لا بد من الرجوع إليه؛ المقتضي لأن تصرف الهمم كلها نحوه؛ وتوجه العزائم جميعها تلقاءه؛ ولأنه لا يخشى سواه؛ ولا يرجى غيره؛ ذكر حالا من أحوالهم؛ فقال: وإذا ؛ أي: الحال ما ذكرناه؛ وإذا ذكر ؛ وأعاد الاسم الأعظم؛ ولم يضمره؛ تعظيما لأمره؛ زيادة في تقبيح حالهم؛ فقال: الله ؛ أي: الذي لا عظيم غيره؛ ولا أمر لسواه؛ وحده ؛ أي: دون شفعائهم التي قد وضح أنه لا شفاعة لهم؛ اشمأزت ؛ أي: نفرت كراهية؛ وذعرا؛ واستكبارا؛ مع تمعر الوجه؛ وتقبضه قلوبهم - هكذا كان الأصل -؛ ولكنه قال: قلوب الذين لا يؤمنون ؛ أي: لا يجددون إيمانا؛ بالآخرة ؛ بيانا لأن الحامل لهم على ذلك إضاعة اعتقاد ما ختم به الآية؛ من الرجوع [ ص: 523 ] إليه؛ الذي أتمه؛ وأظهره؛ رجوع الآخرة؛ وإذا ذكر الذين ؛ وبكت بهم في رضاهم بالأدنى؛ فقال: من دونه ؛ أي: الأوثان؛ وأكد فرط جهلهم في اتباعهم الباطل؛ وجمودهم عليه؛ دون تلبث لنظر في دليل؛ أو سماع لـ "قال"؛ أو "قيل"؛ بقوله: إذا هم ؛ أي: بضمائرهم المفيضة على ظواهرهم؛ يستبشرون ؛ أي: فاجؤوا طلب البشر؛ وإيقاعه؛ وتجديده على سبيل الثبات في ذلك كله؛ سواء ذكر معهم الله؛ أو لا؛ فالاستبشار حينئذ إنما هو بالأنداد؛ والاشمئزاز والاستبشار متقابلان؛ لأن الاشمئزاز امتلاء القلب غما؛ وغيظا؛ فيظهر أثره؛ وهو الانقباض في أديم الوجه؛ والاستبشار امتلاء القلب سرورا؛ حتى يظهر أثره؛ وهو الانبساط؛ والتهلل في الوجه؛ قاله ؛ والعامل في "إذا"؛ الأولى هو العامل في الفجائية؛ أي: فاجؤوا الاستبشار وقت هذا الذكر؛ وعبر بالفعل أولا؛ وبالاسمية ثانيا؛ ليفيد ذمهم على مطلق الاشمئزاز؛ ولو كان على أدنى الأحوال؛ وعلى ثبات الاستبشار؛ تقبيحا لمطلق الكفر؛ ثم الثبات عليه؛ فتحا لباب التوبة. الزمخشري