ولما دل على أنه نذير؛ وأزال ما ربما أوردوه عليه؛ أتبعه ظرف اختصام الملإ الأعلى؛ أو بدل "إذ"؛ الأولى؛ فقال: إذ ؛ أي: حين؛ قال ؛ ودل على أن هذا كله إحسان إليه؛ وإنعام عليه؛ بذكر الوصف الدال على ذلك - ولفت القول عن التكلم إلى الخطاب؛ لأنه أقعد في المدح؛ وأدل على أنه كلام الله؛ كما في قوله: قل من كان عدوا لجبريل - دليلا يوهم أنه ظرف لـ "يوحى"؛ أو لـ "نذير"؛ فقال: ربك ؛ أي: المحسن إليك بجعلك خير المخلوقين؛ وأكرمهم عليه؛ فإنه أعطاك الكوثر؛ وهو كل ما يمكن أن تحتاج إليه؛ للملائكة ؛ وهم الملأ الأعلى؛ وإبليس منهم؛ [ ص: 419 ] لأنه كان إذ ذاك معهم؛ وفي عدادهم؛ ولما كانوا عالمين بما دلهم عليه دليل من الله؛ كما تقدم في سورة "البقرة"؛ أن البشر يقع منه الفساد؛ فكانوا يبعدون أن يخلق - سبحانه - من فيه فساد؛ لأنه الحكيم؛ الذي لا حكيم سواه؛ أكد لهم - سبحانه - قوله: إني خالق بشرا ؛ أي: شخصا ظاهر البشرة؛ لا ساتر له من ريش؛ ولا شعر؛ ولا غيرهما؛ ليكون التأكيد دليلا على ما مضى من مراجعتهم لله (تعالى) ؛ التي أشار إليها بالاختصام؛ وبين أصله بقوله - معلقا بـ "خالق"؛ أو بوصف بشر -: من طين ؛ أجعله خليفتي في الأرض؛ وإن كان في ذلك فساد؛ لأني أريد أن أظهر حلمي؛ ورحمتي؛ وعفوي؛ وغير ذلك من صفاتي التي لا يحسن في الحكمة إظهارها إلا مع الذنوب: قال "لو لم تذنبوا فتستغفروا لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم"؛ القشيري: وإخباره للملائكة بذلك يدل على تفخيم شأن آدم - عليه السلام - لأنه خلق ما خلق من الكونين؛ والجنة؛ والنار؛ والعرش؛ والكرسي؛ والملائكة؛ ولم يقل في صفة شيء منها ما قاله في صفة آدم - عليه السلام -؛ وأولاده؛ ولم يأمر بالسجود لشيء غيره.