ولما ذكر - سبحانه - من ابتلاه في بدنه؛ وماله؛ وولده؛ ثم جعل له الماء بردا؛ وسلاما؛ وعافية؛ ونظاما؛ وشفاء وقواما؛ عطف عليه من ابتلاه بالنار؛ على أيدي الجبابرة؛ فجعلها عليه بردا؛ وسلاما؛ باعتماده عليه؛ وصبره لديه؛ ونجاه من كيدهم؛ وجعل أيده بمفرده فوق أيدهم؛ ثم ابتلاه بالهجرة لوطنه؛ وأهله؛ وعشيرته؛ وسكنه؛ ثم بذبح ابنه؛ فصبر على ذلك كله؛ اعتمادا على فضل الله؛ ومنه؛ فقال: "واذكر عبدنا"؛ بالتوحيد؛ في رواية ؛ للجنس؛ أو ابن كثير لإبراهيم وحده - عليه السلام - لأنه أصل من عطف عليه؛ دينا؛ وأبوة؛ فبين الله أساس عطفه عليه في المدح بالعبودية أيضا؛ ثم بين المراد بقوله: إبراهيم ؛ وعطف على العبد لا على مبينه؛ لئلا يلزم بيان واحد بجماعة؛ إذا أريد به إبراهيم وحده؛ لا الجنس ابنه؛ لصبره على دينه في الغربة بين عباد الأوثان ومباعدي الإيمان؛ فلم يلفت لفتهم؛ ولا داناهم؛ بل أرسل إلى أقاربه في [ ص: 396 ] بلاد الشرق؛ فتزوج منه من وافقته على دينه الحق؛ واستمر على إخلاص العبادة؛ لا يأخذه في الله لومة لائم؛ إلى أن مضى لسبيله؛ فقال: وإسحاق ؛ ثم أتبعه ولده الذي قفا أثره؛ وصبر صبره؛ وابتلي بفقد ولده؛ وبهجة كبده؛ فصبر أتم الصبر في ذلك الضر؛ وأبلغ في الحمد والشكر؛ فقال (تعالى): ويعقوب ؛ وألحقهما - سبحانه - بأبيهما؛ بعد أن بينت قراءة الإفراد أصالته في المدح بالعبودية؛ فعطفهما عليه نفسه؛ في قراءة غير : " عبادنا " ؛ بالجمع؛ كما قال (تعالى): ابن كثير والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم
ولما اجتمعوا بالعطف؛ أو البدل؛ وصفهم بقوله: أولي الأيدي ؛ أي: القوة الشديدة؛ والأعمال السديدة؛ لأن الأيدي أعظم آلات ذلك؛ والأبصار ؛ أي: الحواس الظاهرة؛ والباطنة؛ التي هي حقيقة بأن تذكر؛ وتمدح بها؛ لقوة إدراكها؛ وعظمة نفوذها؛ فيما هو جدير بأن يراعى من جلال الله؛ ومراقبته في الحركات؛ والسكنات؛ سرا وعلنا؛ وعبر عن ذلك بالأبصار؛ لأنها أقوى مبادئه؛ ومن لم يكن مثلهم كان مسلوب القوة؛ والعقل؛ فلم يكن له عقل؛ فكان عدما؛ فهو أعظم توبيخ لمن رزقه الله قوة وعقلا؛ ثم لا يصرفه في عبادة الله والمجاهدة فيه - سبحانه. [ ص: 397 ]