ولما أثبت له بهذه الأدلة القدرة على كل شيء، قال معجبا منهم في موضع الحال من "ربك" عودا إلى تهجين سيرتهم في عبادة غيره، معبرا بالمضارع، إشارة إلى أنهم لو فعلوا ذلك مرة لكان في غاية العجب، فكيف وهو على سبيل التجديد والاستمرار؟ ومصورا لحالهم زيادة في تبشيعها: ويعبدون أي الكفرة من دون أي ممن يعلمون أنه في الرتبة دون الله المستجمع لصفات العظمة، بحيث إنه لا ضر ولا نفع إلا وهو بيده.
ولما كان هذا السياق لتعداد نعمه سبحانه، وكان الحامل للإنسان على الإذعان رجاء الإحسان، أو خوف الهوان، وكان رجاء الإحسان مقبلا به إلى المحسن في السر والإعلان، قدم النفع فقال: ما لا ينفعهم أي بوجه.
ولما كان الخوف إنما يوجب الإقبال ظاهرا فقط، أتبعه قوله: ولا يضرهم أي أصلا في إزالة نعمة من نعم الله عنهم، [ ص: 410 ] فلا أسخف عقلا ممن يترك من بيده كل نفع وضر وهو يتقلب في نعمه، في يقظته ونومه، وأمسه ويومه، ويقبل على من لا نفع بيده ولا ضر أصلا; وأظهر في موضع الضمير بيانا للوصف الحامل على ما لا يفعله عاقل، وأفرد تحقيرا لهم فقال: وكان الكافر مع علمه بضعفه وعجزه.
ولما كان الكافر لا يمكن أن يصافي مسلما ما دام كافرا، وكانت مصافاته لغيره حاصلة إما بالفعل أو بالقوة، عدت مصارمته لغيره عدما، فكانت مصارمته خاصة بأولياء الله، وكان ذلك أشد لذمه، دل عليه بتقديم الجار فقال: على ربه أي المحسن إليه لا غيره ظهيرا معينا لشياطين الإنس والجن على أولياء الله، والتعبير ب "على" دال على أنه وإن كان مهينا في نفسه حقيرا فاعل فعل العالي على الشيء القوي الغليظ الغالب له، المعين عليه، من قولهم: ظهر الأرض لما علا منها وغلظ، وأمر ظاهر لك، أي غالب، والظاهر: القوي والمعين، وذلك لأنه يجعل لما يعبده من الأوثان نصيبا مما تفرد الله بخلقه، ثم يجعل لها أيضا بعض ما كان سماه لله، ويعاند أولياء الله من الأنبياء وغيرهم، وينصب لهم المكايد والحروب، ويؤذيهم بالقول والفعل، مع علمه بأن الله معهم لما يشاهدونه من خرقه لهم العوائد، فكان هذا فعل من [ ص: 411 ] لا يعبأ بالشيء لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا وأن لا تعلوا على الله وهو في الحقيقة تهكم بالكفار، لأنهم يفعلون ما يلزم عليه هذا اللازم الذي لا يدور في خلد عاقل.