ولما قسم الناس إلى مخالف ومؤالف، أتبعه جزاءهم بما يرغب المؤالف ويرهب المخالف على وجه موجب للأمر بالمعروف الذي من جملته الجهاد لوجهه خالصا فقال: هذان أي الساجد والجاحد من جميع الفرق خصمان لا يمكن منهما المسالمة الكاملة إذ كل منهما في طرف.
ولما أشار بالتثنية إلى كل فرقة منهم صارت - مع كثرتها وانتشارها باتحاد الكلمة في العقيدة - كالجسد الواحد، صرح بكثرتهم بالتعبير بالجمع فقال: اختصموا أي أوقعوا الخصومة بغاية الجهد، ولما كانت الفرق المذكورة كلها مثبتة وقد جحد أكثرهم [ ص: 29 ] النعمة، قال: في ربهم أي الذي هم بإحسانه إليهم معترفون، لم يختصموا بسبب غيره أصلا، أسد الله وأسد رسوله وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث - الذين هم أول من برز للمخاصمة بحضرة رسول الله - صلى الله عليه ورضي عنهم - للكفرة من بني عمهم: وعلي بن أبي طالب عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ، في غزوة والوليد بن عتبة بدر - أولى الناس بهذه الآية لما روي في الصحيح عن رضي الله عنه "أنه كان يقسم أنها نزلت فيهم، ولذلك قال رضي الله عنه: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن عز وجل يوم القيامة للخصومة أخرجه أبي ذر في صحيحه، ولعله رضي الله عنه أول الثلاثة، قام لمنابذتهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان أشبهم. البخاري
ولما ذكر خصومتهم وشرطها، ذكر جزاءهم عليها في فصل الأمر الذي قدم ذكره، وبدأ بالترهيب لأن الإنسان إليه أحوج فقال: فالذين كفروا منابذين لأمر ربهم قطعت تقطيعا لا يعلم كثرته إلا الله، بأيسر أمر ممن لا أمر لغيره لهم الآن وهيئت وإن وافقوا مراد ربهم بمخالفتهم أمره ثياب من نار تحيط بهم وهي على مقاديرهم سابغة عليهم كما كانوا يسلبون الثياب في الدنيا [ ص: 30 ] تعاظما وتكبرا حال كونهم يصب إذا دخلوها من فوق رءوسهم الحميم أي الماء الحار حرارة لا يدري مقدارها إلا بالذوق - أعاذنا الله منه .