ولما رأى من أبيه ومعاشريه ما رأى، عزم على نشر شقة النوى مختارا للغربة في البلاد على غربة الأضداد، فكان كما قال [الإمام -] أبو سليمان الخطابي رحمه الله:
وما غربة الإنسان في شقة النوى ولكنها والله في عدم الشكل
وإني غريب بين بست [و-]أهلها وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي
وحقق ما عزم عليه; ثم بين سبحانه وتعالى تحقيق رجائه وإجابة دعائه فقال: فلما اعتزلهم أي بالهجرة إلى الأرض المقدسة وما يعبدون أي على الاستمرار من دون الله الجامع لجميع معاني العظمة التي لا ينبغي العبادة لغيره وهبنا أي على ما لنا من العظمة له كما هو الشأن في كل من [ترك -] شيئا لله إسحاق ولدا له لصلبه من زوجته العاقر العقيم بعد تجاوزها سن اليأس وأخذه هو في السن إلى حد لا يولد لمثله ويعقوب ولدا لإسحاق، وخصهما [ ص: 210 ] بالذكر للزومهما محل إقامته وقيامهما بعد موته بخلافته فيه وأما إسماعيل عليه السلام فكان الله سبحانه هو المتولي لتربيته بعد نقله رضيعا إلى المسجد الحرام وإحيائه به تلك المشاعر العظام [فأخروه بالذكر جاعلا له أصلا برأسه -]; ثم صرح [بما ] لأولاده جزاء على هجرته فقال: وهب وكلا أي منهما جعلنا نبيا عالي المقدار، ويخبر بالأخبار كما جعلنا إبراهيم عليه السلام نبيا