عصا قمل موت البهائم ظلمة ... جراد دم ثم الضفادع والبرد
وموت بكور الآدمي وغيره
... من الحي آتاها الذي عز وانفرد
وهي ملخصة في الزبور؛ فإنه قال - في المزمور السابع والسبعين -: (صنع آياته وعجائبه في مصارع صاعان؛ وجعل أنهارهم دما؛ وصهاريجهم؛ لكيلا يشربوا الماء؛ أرسل عليهم الهوام؛ وذباب الكلاب؛ فآكلهم الضفادع؛ وأفسدهم؛ أطعم القمل ثمارهم؛ والجراد كدهم؛ كسر بالبرد كرومهم؛ وبالجليد تبنهم؛ أسلم للبرد مواشيهم؛ وللحريق أموالهم؛ أرسل عليهم شدة حنقه؛ سخطا؛ وغضبا؛ أرسل ملائكة الشر؛ فتح طرق سخطه؛ ولم يخلص من الموت أنفسهم؛ [ ص: 524 ] أسلم للموت دوابهم؛ قتل جميع أبكار مصر؛ وأول أولادهم؛ في مساكن حام)؛ وقال - في المزمور الرابع بعد المائة؛ بعد أن ذكر صنائع الله عند بني إسرائيل؛ وآبائهم -: (بعث جوعا على الأرض؛ حطم زرع أرضهم؛ أرسل أمامهم رجلا؛ بيع يوسف للعبودية؛ وأوثقوا بالقيود رجليه؛ صارت نفسه في الحديد؛ حتى جاءت كلمته؛ وقول الرب ابتلاه؛ أرسل الملك فأطلقه؛ وجعله رئيسا على شعبه؛ وأقامه ربا على بنيه؛ وسلطانه على كل ما له؛ ليؤدب أراجينه كنفسه؛ ويفقه مشايخه؛ دخل إسرائيل مصر؛ وتغرب يعقوب في أرض حام؛ وكثر شعبه جدا؛ وعلا على أعدائه؛ وصرف قلبه ليبغض شعبه؛ ويغدر بعبيده؛ أرسل موسى عبده؛ وهارون صفيه؛ فصنعا فيهم آياته وعجائبه في أرض حام؛ بعث ظلمة؛ فصار ليلا؛ وأسخطوا كلامه؛ فحول مياههم دما؛ وأمات حيتانهم؛ وانبعثت أرضهم ضفادع في قياطين ملوكهم؛ أمر الهوام فجاء؛ وذباب الكلب؛ والقمل في جميع تخومهم؛ جعل أمطارهم بردا؛ واشتعلت النار في أرضهم؛ ضرب كرومهم؛ وتبنهم؛ وكسر شجر تخومهم؛ أذن للجراد فجاء؛ وذباب لا يحصى فأكل جميع عشب الأرض؛ وثمارها؛ وقتل كل أبكار مصر؛ وأول ولد ولد لهم)؛ غير أنه لم يذكر العصا؛ وكأن ذلك لشهرتها [ ص: 525 ] جدا عندهم؛ ولأن جميع الآيات كانت بها؛ فهي في الحقيقة الآية الجامعة للكل؛ وإنما قلت: إن الآيات هذه؛ لأن السياق يدل على أن فرعون رآها كلها؛ وعاند بعد رؤيتها؛ وذلك إشارة إلى أنه لو أعطى كفار قريش ما اقترحوه؛ من تفجير الينبوع؛ وما معه؛ لم يكفهم عن العناد؛ فالإتيان به عبث لا مصلحة فيه.
ولما كان اليهود الذين أمروا قريشا بسؤال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - عن الروح؛ التي مضى الجواب عنها - كما في بعض الروايات -؛ وعن أهل الكهف؛ وذي القرنين؛ الآتي شرح قصتيهما في "الكهف"؛ نبههم على سؤالهم - إن كانوا يقبلون كلامهم - عن أمر موسى - عليه السلام - في كونه كهذا النبي الكريم؛ في أنه بشر؛ مع كونه رسولا؛ وفي كونه أتى بالخوارق؛ فكذب بها المعاندون؛ فاستؤصل المكذب؛ فقال (تعالى): فاسأل ؛ أي: يا أعظم خلقنا؛ بني إسرائيل ؛ أي: عامة؛ الذين نبهوا قريشا على أمر الروح؛ عن حديث موسى - عليه السلام -؛ أو المؤمنين؛ وأصحابه؛ كعبد الله بن سلام؛ إذ ؛ أي: عن ذلك؛ حين جاءهم ؛ أي: جاء آباءهم؛ فوقع له من التكذيب بعد إظهار المعجزات الباهرات ما وقع لك؛ ولم يكذب لخلل من أمره؛ ولا لقوة من عدوه؛ على مدافعة [ ص: 526 ] العذاب؛ وإنما كان جهلا وعنادا؛ ليكون ذلك مسلاة لك؛ وعلما على خبث طباعهم؛ وحجة قاطعة عليهم؛ فقال ؛ أي: فذهب إلى فرعون؛ فأمره بإرسالهم معه؛ فأبى؛ فأظهر له الآيات؛ واحدة بعد أخرى؛ فتسبب عن ذلك ضد ما يقتضيه الحال؛ وهو أن قال له فرعون ؛ عتوا؛ واستكبارا؛ إني لأظنك ؛ أكد قوله لما أظهر موسى - عليه السلام - مما يوجب الإذعان له؛ والإيمان؛ والإنكار لأن يكذبه أحد؛ يا موسى مسحورا ؛ أي: فكل ما ينشأ عنك فهو من آثار السحر الذي بك؛ خيال لا حقيقة له؛ وأنت في الحقيقة مسحور؛ ولوجود السحر عنك ساحر؛ قال أبو عبيد: كما يقال: "ميمون"؛ بمعنى "يامن"؛ وكأنه موه على جنوده؛ لما أراهم آية اليد؛ بهذه الشبهة؛ وهذا كما قالت قريش: إن تتبعون إلا رجلا مسحورا وقالوا - في موضع آخر -: ساحر؛ فإنهم ربما أطلقوا اسم المفعول مريدين اسم الفاعل؛ مبالغة في أنه كالمجبر على الفعل؛ وفي الأمر بسؤال اليهود تنبيه على ضلالهم؛ قال الشيخ ولي الدين الملوي: ولعل منه اقتباس الأئمة؛ في المناظرة؛ مطالبة اليهود والنصارى؛ ونحوهم؛ بإثبات نبوة أنبيائهم؛ فكل طريق يسلكون يسلك مثله في تقرير [ ص: 527 ] نبوة محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -؛ وكل اعتراض يوردونه يورد عليهم مثله؛ وما كان جوابا لهم فهو جواب لنا؛ ومن تفطن للآية الكريمة رأى منها العجب في ذلك؛ انتهى؛ ولم يؤمن فرعون؛ على تواتر تلك الآيات؛ وعظمها؛