ولما كان المفرد المحلى باللام يعم؛ كان هذا ربما اقتضى من بعض المتعنتين اعتراضا بأن يقال: إنا نرى بعض الإنسان إذا أعطي شكر؛ وإذا ابتلي صبر؛ وكان هذا الاعتراض ساقطا؛ لا يعبأ به؛ أما أولا فلأنه قد تقدم الجواب عنه في سورة "يونس" - عليه السلام - في قوله (تعالى): كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون ؛ بأن هذا في المسرفين؛ دون غيرهم؛ وبقوله (تعالى) - في سورة "هود - عليه السلام -: إلا الذين صبروا ؛ ولعله طواه في هذا المقام؛ إشارة إلى أنه لقلة أفراده كأنه عدم؛ وأما ثانيا فلأن المحلى باللام؛ سواء كان مفردا أو جمعا؛ في قوة الجزئي؛ حتى يرد ما يدل على أنه كلي؛ فلذلك أعرض (تعالى) عنه؛ وأمره بالجواب عن القسمين؛ المشار إليه؛ والمنصوص عليه؛ فقال (تعالى): قل ؛ أي: يا أشرف خلقنا؛ كل ؛ من الشاكر؛ والكافر؛ يعمل على شاكلته [ ص: 500 ] أي: طريقته التي تشاكل روحه؛ وتشاكل ما طبعناه عليه؛ من خير؛ أو شر؛ فربكم ؛ أي: فتسبب عن ذلك أن الذي خلقكم؛ ودرجكم في أطوار النمو؛ لا غيره؛ أعلم ؛ مطلقا؛ بمن هو ؛ منكم؛ أهدى سبيلا ؛ أي: أرشد؛ وأقوم؛ من جهة المذهب؛ بتقواه؛ وإحسانه؛ فيشكر؛ ويصبر احتسابا؛ فيعطيه الثواب؛ ومن هو أضل سبيلا؛ فيحل به العقاب؛ لأنه يعلم ما طبعهم عليه في أصل الخلقة؛ وغرزه فيهم من الخلائق؛ وغيره إنما يعلم أمور الناس في طرائقهم بالتجربة; وقد روى الإمام - لكن بسند منقطع - عن أحمد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: أبي الدرداء هذا كله الإعراض بالفعل؛ وإن كان بالقوة التزمنا أنها كلية؛ والله أعلم بالمهتدي فيحفظه من الإعراض واليأس؛ بالفعل بما هو فيه بالقوة. "إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه فصدقوا؛ وإذا سمعتم برجل تغير عن خلقه فلا تصدقوا به؛ فإنه يصير إلى ما جبل عليه"؛