تفسير سورة الأنبياء عليهم السلام، وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم
(1) هذا تعجب من حالة الناس، وأنهم لا ينجع فيهم تذكير، ولا يرعوون [ ص: 1054 ] إلى نذير، وأنهم قد قرب حسابهم ومجازاتهم على أعمالهم الصالحة والطالحة، والحال أنهم في غفلة معرضون ، أي: غفلة عما خلقوا له، وإعراض عما زجروا به. كأنهم للدنيا خلقوا، وللتمتع بها ولدوا، وأن الله تعالى لا يزال يجدد لهم التذكير والوعظ، ولا يزالون في غفلتهم وإعراضهم. (2) ولهذا قال: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث يذكرهم ما ينفعهم ويحثهم عليه، وما يضرهم ويرهبهم منه إلا استمعوه سماعا، تقوم عليهم به الحجة، وهم يلعبون . (3) لاهية قلوبهم ؛ أي: قلوبهم غافلة معرضة لاهية بمطالبها الدنيوية، وأبدانهم لاعبة، قد اشتغلوا بتناول الشهوات والعمل بالباطل، والأقوال الردية، مع أن الذي ينبغي لهم أن يكونوا بغير هذه الصفة، تقبل قلوبهم على أمر الله ونهيه، وتستمعه استماعا، تفقه المراد منه، وتسعى جوارحهم في عبادة ربهم التي خلقوا لأجلها، ويجعلون القيامة والحساب والجزاء منهم على بال، فبذلك يتم لهم أمرهم، وتستقيم أحوالهم، وتزكوا أعمالهم، وفي معنى قوله: اقترب للناس حسابهم قولان: أحدهما: أن فقد قرب الحساب منها بالنسبة لما قبلها من الأمم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: هذه الأمة هي آخر الأمم، ورسولها آخر الرسل، وعلى أمته تقوم الساعة، «بعثت أنا والساعة كهاتين» وقرن بين إصبعيه السبابة والتي تليها.
والقول الثاني: أن المراد بقرب الحساب الموت، وأن من مات قامت قيامته، ودخل في دار الجزاء على الأعمال، وأن هذا تعجب من كل غافل معرض، لا يدري متى يفجأه الموت، صباحا أو مساء، فهذه حالة الناس كلهم، إلا من أدركته العناية الربانية، فاستعد للموت وما بعده.
ثم ذكر ما يتناجى به الكافرون الظالمون على وجه العناد، ومقابلة الحق بالباطل، وأنهم تناجوا وتواطأوا - فيما بينهم - أن يقولوا في الرسول - صلى الله عليه وسلم -: إنه بشر مثلكم، فما الذي فضله عليكم، وخصه من بينكم، فلو ادعى أحد منكم مثل دعواه لكان قوله من جنس قوله، ولكنه يريد أن يتفضل عليكم، ويرأس فيكم، فلا تطيعوه، ولا تصدقوه، وإنه ساحر، وما جاء به من القرآن سحر، فانفروا عنه، ونفروا الناس، [ ص: 1055 ] وقولوا: أفتأتون السحر وأنتم تبصرون هذا وهم يعلمون أنه رسول الله حقا بما يشاهدون من الآيات الباهرة ما لم يشاهد غيرهم، ولكن حملهم على ذلك الشقاء والظلم والعناد. (4) والله تعالى قد أحاط علما بما تناجوا به، وسيجازيهم عليه، ولهذا قال: قال ربي يعلم القول : الخفي والجلي في السماء والأرض ؛ أي: في جميع ما احتوت عليه أقطارهما وهو السميع لسائر الأصوات باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات العليم بما في الضمائر، وأكنته السرائر.