[ ص: 1856 ] تفسير سورة الملك
وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير
تبارك الذي بيده الملك أي: تعاظم وتعالى، وكثر خيره، وعم إحسانه، من عظمته أن بيده ملك العالم العلوي والسفلي، فهو الذي خلقه، ويتصرف فيه بما شاء، من الأحكام القدرية، والأحكام الدينية، التابعة لحكمته، ومن عظمته، كمال قدرته التي يقدر بها على كل شيء، وبها أوجد ما أوجد من المخلوقات العظيمة، كالسماوات والأرض.
وخلق الموت والحياة أي: قدر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم; ليبلوكم أيكم أحسن عملا أي: أخلصه وأصوبه، وذلك أن الله خلق عباده، وأخرجهم لهذه الدار، وأخبرهم أنهم سينقلون منها، وأمرهم ونهاهم، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره، فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل، أحسن الله له الجزاء في الدارين، ومن مال مع شهوات النفس، ونبذ أمر الله، فله شر الجزاء.
وهو العزيز الذي له العزة كلها، التي قهر بها جميع الأشياء، وانقادت له المخلوقات.
الغفور عن المسيئين والمقصرين والمذنبين، خصوصا إذا تابوا وأنابوا، فإنه يغفر ذنوبهم، ولو بلغت عنان السماء، ويستر عيوبهم، ولو كانت ملء الدنيا.
الذي خلق سبع سماوات طباقا أي: كل واحدة فوق الأخرى، ولسن طبقة واحدة، وخلقها في غاية الحسن والإتقان ما ترى في خلق الرحمن من [ ص: 1857 ] تفاوت أي: خلل ونقص.
وإذا انتفى النقص من كل وجه، صارت حسنة كاملة، متناسبة من كل وجه، في لونها وهيئتها وارتفاعها، وما فيها من الشمس والقمر والكواكب النيرات، الثوابت منهن والسيارات.
ولما كان كمالها معلوما، أمر الله تعالى بتكرار النظر إليها والتأمل في أرجائها، قال:
فارجع البصر أي: أعده إليها، ناظرا معتبرا هل ترى من فطور أي: نقص واختلال.
ثم ارجع البصر كرتين المراد بذلك: كثرة التكرار ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير أي: عاجزا عن أن يرى خللا أو فطورا، ولو حرص غاية الحرص.
ثم صرح بذكر حسنها فقال: