تفسير سورة الفرقان
وهي مكية عند الجمهور
بسم الله الرحمن الرحيم
تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا
(1) هذا بيان لعظمته الكاملة وتفرده بالوحدانية من كل وجه، وكثرة خيراته وإحسانه فقال: تبارك أي: تعاظم وكملت أوصافه وكثرت خيراته، الذي من أعظم خيراته ونعمه أن نزل هذا القرآن الفارق بين الحلال والحرام والهدى والضلال وأهل السعادة من أهل الشقاوة على عبده محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي كمل مراتب العبودية وفاق جميع المرسلين، ليكون ذلك الإنزال للفرقان على عبده للعالمين نذيرا ينذرهم بأس الله ونقمه ويبين لهم مواقع رضا الله من سخطه، حتى إن من قبل نذارته وعمل بها كان من الناجين في الدنيا والآخرة، الذين حصلت لهم السعادة الأبدية والملك السرمدي، فهل فوق هذه النعمة وهذا الفضل [ ص: 1186 ] والإحسان شيء؟ فتبارك الذي هذا من بعض إحسانه وبركاته.
(2) الذي له ملك السماوات والأرض أي: له التصرف فيهما وحده، وجميع من فيهما مماليك وعبيد له، مذعنون لعظمته، خاضعون لربوبيته، فقراء إلى رحمته، الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وكيف يكون له ولد أو شريك وهو المالك وغيره مملوك، وهو القاهر وغيره مقهور، وهو الغني بذاته من جميع الوجوه، والمخلوقون مفتقرون إليه فقرا ذاتيا من جميع الوجوه؟ وكيف يكون له شريك في الملك ونواصي العباد كلهم بيديه، فلا يتحركون أو يسكنون ولا يتصرفون إلا بإذنه، فتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فلم يقدره حق قدره من قال فيه ذلك، ولهذا قال: وخلق كل شيء شمل العالم العلوي والعالم السفلي من حيواناته ونباتاته وجماداته، فقدره تقديرا أي: أعطى كل مخلوق منها ما يليق به ويناسبه من الخلق، وما تقتضيه حكمته من ذلك، بحيث صار كل مخلوق لا يتصور العقل الصحيح أن يكون بخلاف شكله وصورته المشاهدة، بل كل جزء وعضو من المخلوق الواحد لا يناسبه غير محله الذي هو فيه؛ قال تعالى: سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى وقال تعالى: ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى . ولما بين كماله وعظمته وكثرة إحسانه كان ذلك مقتضيا لأن يكون وحده المحبوب المألوه المعظم المفرد بالإخلاص وحده لا شريك له، ناسب أن يذكر بطلان عبادة ما سواه فقال: