الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا
الذي خلق السماوات [ ص: 227 ] والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش قد سلف تفسيره ، ومحل الموصول الجر على أنه صفة أخرى للحي وصف بالصفة الفعلية بعد ، والإشارة إلى الصفة بالعلم الشامل لتقرير وصفه بالأبدية التي هي من الصفات الذاتية وتأكيده ، فإن من وجوب التوكل عليه تعالى وترتيب رصين في أوقات معينة مع كمال قدرته على إبداعها دفعة لحكم جليلة وغايات جميلة لا تقف على تفاصيلها العقول أحق من يتوكل عليه وأولى من يفوض الأمر إليه . أنشأ هذه الأجرام العظام على هذا النمط الفائق والنسق الرائق بتدبير متين
الرحمن مرفوع على المدح ، أي : هو الرحمن ، وهو في الحقيقة وصف آخر للحي ، كما قرئ بالجر مفيد لزيادة تأكيد ما ذكر من وإن لم يتبعه في الإعراب لما تقرر من أن المنصوب والمرفوع مدحا وإن خرجا عن التبعية لما قبلهما صورة حيث لم يتبعاه في الإعراب وبذلك سميا قطعا لكنهما تابعان له حقيقة ألا يرى كيف التـزموا حذف الفعل والمبتدأ في النصب والرفع وما لتصوير كل منهما بصورة متعلق من متعلقات ما قبله وتنبيها على شدة الاتصال بينهما ، وقد مر تمام التحقيق في تفسير قوله عز وجل : وجوب التوكل عليه تعالى الذين يؤمنون بالغيب ... الآية . وقيل : الموصول مبتدأ و"الرحمن" خبره ، وقيل : "الرحمن" بدل من المستكن في "استوى" .
فاسأل به أي : بتفاصيل ما ذكر إجمالا من الخلق والاستواء لا بنفسهما فقط ; إذ بعد بيانهما لا يبقى إلى السؤال حاجة ، ولا في تعديته بالباء فائدة فإنها مبنية على تضمينه معنى الاعتناء المستدعي لكون المسؤل أمرا خطيرا مهتما بشأنه غير حاصل للسائل وظاهر أن نفس الخلق والاستواء بعد الذكر ليس كذلك . وما قيل من أن التقدير : إن شككت فيه فاسأل به خبيرا على أن الخطاب له صلى الله عليه وسلم والمراد غيره بمعزل من السداد ، بل التقدير : إن شئت تحقيق ما ذكر أو تفصيل ما ذكر فاسأل معنيا به خبيرا عظيم الشأن محيطا بظواهر الأمور وبواطنها - وهو الله سبحانه - يطلعك على جلية الأمر ، وقيل : فاسأل به من وجده في الكتب المتقدمة ليصدقك فيه فلا حاجة حينئذ إلى ما ذكرنا ، وقيل : الضمير للرحمن ، والمعنى : إن أنكروا إطلاقه على الله تعالى فاسأل عنه من يخبرك من أهل الكتاب ليعرفوا مجيء ما يردفه في كتبهم ، وعلى هذا يجوز أن يكون "الرحمن" مبتدأ ، وما بعده خبرا . وقرئ : "فسل" .