قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى
قال أي : موسى عليه الصلاة والسلام مجيبا له . ربنا إما مبتدأ ، وقوله تعالى الذي أعطى كل شيء خلقه خبره . أو هو خبر لمبتدإ محذوف ، والموصول صفته . وأيا ما كان فلم يريدا بضمير المتكلم أنفسهما فقط حسبما أراد اللعين ، بل جميع المخلوقات تحقيقا للحق وردا عليه ، كما يفصح عنه ما في حيز الصلة ، أي : هو ربنا الذي أعطى كل شيء من الأشياء خلقه ، أي : صورته وشكله اللائق بما نيط به من الخواص والمنافع ، أو أعطى مخلوقاته كل شيء تحتاج هي إليه وترتفق به ، وتقديم المفعول الثاني للاهتمام به ، أو أعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة ، حيث زوج الحصان بالفرس ، والبعير بالناقة ، والرجل بالمرأة ، ولم يزوج شيئا من ذلك بخلاف جنسه . وقرئ : "خلقه" على صيغة الماضي ، على أن الجملة صفة للمضاف أو المضاف إليه ، وحذف المفعول الثاني إما للاقتصار على الأول ، أي : كل شيء خلقه الله تعالى لم يحرمه من عطائه وإنعامه ، أو للاختصار من كونه منويا مدلولا عليه بقرينة الحال ، أي : أعطى كل شيء خلقه الله تعالى ما يحتاج إليه .
ثم هدى أي : إلى طريق الانتفاع والارتفاق بما أعطاه ، وعرفه كيف يتوصل إلى بقائه وكماله ، إما اختيارا كما في الحيوانات ، أو طبعا كما في الجمادات والقوى الطبيعية النباتية والحيوانية . ولما كان الخلق الذي هو عبارة عن تركيب الأجزاء ، وتسوية الأجسام ، متقدما على الهداية التي هي عبارة عن إيداع القوى المحركة والمدركة في تلك الأجسام ، وسط بينهما كلمة التراخي . ولقد ساق عليه الصلاة والسلام جوابه على نمط رائق وأسلوب لائق ، حيث بين أنه تعالى عالم قادر بالذات ، خالق لجميع الأشياء ، منعم عليها بجميع ما يليق بها بطريق التفضل ، وضمنه أن إرساله تعالى إلى الطاغية من جملة هداياته تعالى إياه بعد أن هداه إلى الحق بالهدايات التكوينية ، حيث ركب فيه العقل وسائر المشاعر والآلات الظاهرة والباطنة .