تفسير سورة يونس عليه السلام
هذه السورة هي مكية، قال : إلا آيتين وهي قوله تبارك وتعالى: مقاتل فإن كنت في شك نزلت بالمدينة، وقال : هي مكية إلا قوله تعالى: الكلبي ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به نزلت في اليهود بالمدينة. وقالت فرقة: نزل من أولها نحو من أربعين آية بمكة وباقيها بالمدينة.
قوله عز وجل:
الر تلك آيات الكتاب الحكيم أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين
تقدم في أول سورة البقرة ذكر الاختلاف في فواتح السور، وتلك الأقوال كلها تترتب هنا، وفي هذا الموضع قول يختص به، قال ، ابن عباس ، وسالم بن عبد الله ، وابن جبير : "الر" و "حم" و"ن" هو "الرحمن" قطع اللفظ في أوائل هذه السور. واختلف عن والشعبي في إمالة الراء، والقياس ألا تمال. وكذلك اختلف [ ص: 445 ] القراء، وعلة من أمال الراء أن يدل بذلك على أنها اسم للحرف وليست بحرف في نفسها وإنما الحرف "ر" . نافع
وقوله تعالى: "تلك" قيل: هو بمعنى: "هذه"، وقد يشبه أن يتصل المعنى بـ "تلك" دون أن نقدرها بدل غيرها، والنظر في هذه اللفظة إنما يتركب على الخلاف في فواتح السور فتدبره. و"الكتاب" قال ، مجاهد : المراد به التوراة والإنجيل، وقال وقتادة أيضا وغيره: المراد به القرآن، وهو الأظهر، و"الحكيم" فعيل بمعنى محكم، كما قال تعالى: مجاهد هذا ما لدي عتيد ، أي معتد معد، ويمكن أن يكون "حكيم" بمعنى: ذو حكمة فهو على النسب، وقال : "فهو مثل أليم بمعنى مؤلم" ثم قال: هو الذي أحكمه وبينه. الطبري
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فساق قولين على أنهما واحد.
وقوله تعالى: أكان للناس عجبا الآية، قال ، ابن عباس وابن جريح، وغيرهما: نسبت هذه الآية أن قريشا استبعدوا أن يبعث الله رسولا من البشر، وقال : إنما عجبوا من إخباره أنهم يبعثون من القبور، إذ النذارة والبشارة تتضمنان ذلك، وكثر كلامهم في ذلك حتى قال بعضهم: أما وجد الله من يبعث إلا يتيم الزجاج أبي طالب؟ ونحو هذا من الأقاويل التي اختصرتها لشهرتها، فنزلت الآية. وقوله: [ ص: 446 ] "أكان" تقرير، والمراد بـ "الناس": قائلو هذه المقالة. و"عجبا" خبر "كان"، واسمها: "أن أوحينا"، وفي مصحف : "أكان للناس عجب"، وجعل الخبر في قوله سبحانه: "أن أوحينا"، والأول أصوب لأن الاسم معرفة والخبر نكرة وهذا القلب لا يصح ولا يجيء إلا شاذا، ومنه قول ابن مسعود : حسان
.......................... ... يكون مزاجها عسل وماء
ولفظة العجب هنا ليست بمعنى التعجب فقط، بل معناه: أوصل إنكارهم وتعجبهم إلى التكذيب؟ وقرأت فرقة: "إلى رجل" بسكون الجيم، ثم فسر الوحي وقسمه على النذارة للكافرين والبشارة للمؤمنين. والقدم هنا-: ما قدم. واختلف في المراد بها هاهنا فقال ، ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، والربيع بن أنس : هي الأعمال الصالحة من العبادات، وقال وابن زيد ، الحسن بن أبي الحسن : هي شفاعة وقتادة محمد صلى الله عليه وسلم، وقال ، وغيره: هي المصيبة زيد بن أسلم بمحمد صلى الله عليه وسلم بموته، وقال -رضي الله عنهما- أيضا، وغيره: هي السعادة السابقة لهم في اللوح المحفوظ، وهذا أليق الأقوال بالآية، ومن هذه اللفظة قول ابن عباس : حسان
لنا القدم العليا إليك وخلفنا ... لأولنا في طاعة الله تابع
[ ص: 447 ] وقول : ذي الرمة
لكم قدم لا ينكر الناس أنها ... مع الحسب العالي طمت على البحر
ومن هذه اللفظة قول النبي صلى الله عليه وسلم في صفة جهنم: أي ما قدم لها من خلقه، هذا على أن "الجبار" اسم الله تبارك وتعالى، ومن جعله اسم جنس كأنه أراد الجبارين من بني "حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول: قط قط" آدم، فالقدم -على هذا التأويل- الجارحة. والصدق في هذه الآية بمعنى الصلاح، كما تقول: رجل صدق ورجل سوء، وقوله سبحانه: قال الكافرون يحتمل أن يكون تفسيرا لقوله: "أكان وحينا إلى بشر عجبا؟" قال الكافرون عنه كذا وكذا؟ وذهب إلى أن في الكلام حذفا يدل الظاهر عليه، تقديره: فلما أنذر وبشر قال الكافرون كذا وكذا، وقرأ جمهور الناس، وهي قراءة الطبري ، نافع ، وأبي عمرو : "إن هذا لسحر مبين" ، وقرأ وابن عامر مسروق بن الأجدع، ، والباقون من السبعة، وابن جبير ، وابن مسعود وأبو رزين، ، ومجاهد ، وابن وثاب ، وطلحة ، والأعمش بخلاف، وعيسى بن عمر وابن محيصن، بخلاف عنه: "إن هذا لساحر" ، والمعنى متقارب. وفي مصحف وابن كثير "قال الكافرون ما هذا إلا سحر مبين" . وقولهم في الإنذار والبشارة سحر إنما هو [ ص: 448 ] بسبب أنه فرق بذلك كلمتهم وحال بين القريب وقريبه فأشبه بذلك ما يفعله الساحر فظنوه من ذلك الباب. أبي: