وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون
وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم رد لقول قريش : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا ، أي جرت السنة الإلهية بأن لا يبعث للدعوة العامة إلا بشرا يوحي إليه على ألسنة الملائكة ، والحكمة في ذلك قد ذكرت في سورة « الأنعام » فإن شككتم فيه . فاسألوا أهل الذكر أهل الكتاب أو علماء الأخبار ليعلموكم .
إن كنتم لا تعلمون وفي الآية دليل على وقوله : أنه تعالى لم يرسل امرأة ولا ملكا للدعوة العامة جاعل الملائكة رسلا معناه رسلا إلى الملائكة أو إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . وقيل لم يبعثوا إلى الأنبياء إلا متمثلين بصورة الرجال . ورد بما روي : جبريل صلوات الله عليه على صورته التي هو عليها مرتين . وعلى وجوب المراجعة إلى العلماء فيما لا يعلم . أنه عليه الصلاة والسلام رأى
[ ص: 228 ] بالبينات والزبر أي أرسلناهم بالبينات والزبر أي المعجزات والكتب ، كأنه جواب قائل قال : بم أرسلوا ؟ ويجوز أن يتعلق بما أرسلنا داخلا في الاستثناء مع رجالا أي : وما أرسلنا إلا رجالا بالبينات كقولك : ما ضربت إلا زيدا بالسوط ، أو صفة لهم أي رجالا ملتبسين بالبينات ، أو بيوحي على المفعولية أو الحال من القائم مقام فاعله على أن قوله فاسألوا اعتراض ، أو بلا تعلمون على أن الشرط للتبكيت والإلزام . وأنزلنا إليك الذكر أي القرآن وإنما سمي ذكرا لأنه موعظة وتنبيه . لتبين للناس ما نزل إليهم في الذكر بتوسط إنزاله إليك مما أمروا به ونهوا عنه ، أو مما تشابه عليهم والتبيين أعم من أن ينص بالمقصود ، أو يرشد إلى ما يدل عليه كالقياس . ودليل العقل . ولعلهم يتفكرون وإرادة أن يتأملوا فيه فيتنبهوا للحقائق .