قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم
قال بل سولت أي فلما رجعوا إلى أبيهم وقالوا له ما قال لهم أخوهم قال : بل سولت أي سولت وسهلت . لكم أنفسكم أمرا أردتموه فقدرتموه ، وإلا فما أدرى الملك أن السارق يؤخذ بسرقته . فصبر جميل أي فأمري صبر جميل ، أو فصبر جميل أجمل . عسى الله أن يأتيني بهم جميعا بيوسف وبنيامين وأخيهما الذي توقف بمصر . إنه هو العليم بحالي وحالهم . الحكيم في تدبيرهما .
وتولى عنهم وأعرض عنهم كراهة لما صادف منهم . وقال يا أسفى على يوسف أي يا أسفا تعال فهذا أوانك ، والأسف أشد الحزن والحسرة ، والألف بدل من ياء المتكلم ، وإنما تأسف على يوسف دون [ ص: 174 ] أخويه والحادث رزؤهما لأن رزأه كان قاعدة المصيبات وكان غضا آخذا بمجامع قلبه ، ولأنه كان واثقا بحياتهما دون حياته ، وفي الحديث : « محمد صلى الله عليه وسلم » . لم تعط أمة من الأمم إنا لله وإنا إليه راجعون عند المصيبة إلا أمة
ألا ترى إلى يعقوب عليه الصلاة والسلام حين أصابه ما أصابه لم يسترجع وقال يا أسفى .
وابيضت عيناه من الحزن لكثرة بكائه من الحزن كأن العبرة محقت سوادهما . وقيل ضعف بصره . وقيل عمي ، وقرئ « من الحزن » وفيه دليل على جواز ، ولعل أمثال ذلك لا تدخل تحت التكليف فإنه قل من يملك نفسه عند الشدائد ، ولقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ولده التأسف والبكاء عند التفجع إبراهيم وقال : « إبراهيم لمحزونون » . القلب يجزع والعين تدمع ، ولا نقول ما يسخط الرب ، وإنما عليك يا
فهو كظيم مملوء من الغيظ على أولاده ممسك له في قلبه لا يظهره ، فعيل بمعنى مفعول كقوله تعالى : وهو مكظوم من كظم السقاء إذا شده على ملئه ، أو بمعنى فاعل كقوله : والكاظمين الغيظ من كظم الغيظ إذا اجترعه ، وأصله كظم البعير جرته إذا ردها في جوفه .