قرئ : وإلى ثمود ، بمنع الصرف بتأويل القبيلة ، وإلى ثمود بالصرف بتأويل الحي ، أو باعتبار الأصل ; لأنه اسم أبيهم الأكبر ، وهو ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح ، وقيل : سميت "ثمود" لقلة مائها ، من الثمد وهو الماء القليل ، وكانت مساكنهم الحجر بين الشام والحجاز إلى وادي القرى قد جاءتكم بينة : آية ظاهرة ، وشاهد على صحة نبوتي ، وكأنه قيل : ما هذه البينة ؟ فقال : هذه ناقة الله لكم آية ، وآية نصب على الحال ، والعامل فيها : ما دل عليه اسم الإشارة من معنى الفعل ، كأنه قيل : أشير إليها آية ، "ولكم" : بيان لمن هي له آية موجبة عليه الإيمان خاصة وهم ثمود ; لأنهم عاينوها ، وسائر الناس أخبروا عنها ، وليس الخبر كالمعاينة ، كأنه قال : لكم خصوصا ; وإنما أضيفت إلى اسم الله ; تعظيما لها ، وتفخيما لشأنها ، وأنها جاءت من عنده مكونة من غير فحل وطروقة آية من آياته ، كما تقول : آية الله ، وروي أن عادا لما أهلكت عمرت ثمود بلادها ، وخلفوهم في الأرض ، وكثروا ، وعمروا أعمارا طوالا ، حتى أن الرجل كان يبني المسكن المحكم فينهدم في حياته ، فنحتوا البيوت من الجبال ، وكانوا في سعة ورخاء من العيش ، فعتوا على الله ، وأفسدوا في الأرض ، وعبدوا الأوثان ، فبعث الله - تعالى- إليهم صالحا - عليه السلام - وكانوا قوما عربا ، وصالح من أوسطهم نسبا ، فدعاهم إلى الله - تعالى- فلم يتبعه إلا قليل منهم مستضعفون ، فحذرهم ، وأنذرهم ، فسألوه آية ، فقال : أية آية تريدون؟ ؟ قالوا : تخرج معنا إلى عيدنا في يوم معلوم لهم من السنة ، فتدعو إلهك ، وندعوا آلهتنا ، فإن استجيب لك اتبعناك ، وإن استجيب لنا اتبعتنا ، فقال صالح : نعم ، فخرج معهم ، ودعوا أوثانهم ، وسألوها الاستجابة فلم تجبهم ، ثم قال سيدهم ، جندع بن عمرو ، وأشار إلى صخرة منفردة في ناحية الجبل ، يقال لها : "الكاثبة" أخرج لنا من هذه الصخرة ناقة مخترجة ، جوفاء ، وبراء - والمخترجة التي شاكلت البحت - فإن فعلت صدقناك وأجبناك ، فأخذ صالح - عليه السلام - عليهم المواثيق ، لئن فعلت ذلك لتؤمنن ولتصدقن ، قالوا : نعم ، فصلى ودعا ربه ، فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها ، فانصدعت عن ناقة ، عشراء ، جوفاء ، وبراء ، كما وصفوا ، لا يعلم ما بين جنبيها إلا الله تعالى- وعظماؤهم ينظرون ، ثم نتجت ولدا مثلها في العظم ، فآمن به جندع ، ورهط من قومه ، ومنع أعقابهم ناس من رؤوسهم أن يؤمنوا ، فمكثت الناقة مع ولدها ترعى الشجر ، وتشرب الماء ، وكانت ترد غبا ، فإذا كان يومها ، وضعت رأسها في البئر ، فما ترفعه حتى تشرب كل ماء فيها ، ثم تتفحج ، فيحتلبون ما شاءوا حتى تمتلئ [ ص: 463 ] أوانيهم ، فيشربون ، ويدخرون .
قال أتيت أرض أبو موسى الأشعري : ثمود ، فذرعت مصدر الناقة ، فوجدته ستين ذراعا ، وكانت الناقة إذا وقع الحر ، تصيفت بظهر الوادي ، فتهرب منها أنعامهم ، فتهبط إلى بطنه ، وإذا وقع البرد ، تشتت بطن الوادي ، فتهرب مواشيهم إلى ظهره ، فشق ذلك عليهم ، وزينت عقرها لهم امرأتان : عنيزة أم غنم ، وصدقة بنت المختار - لما أضرت به من مواشيهما وكانتا كثيرتي المواشي - فعقروها ، واقتسموا لحمها وطبخوه ، فانطلق سقبها حتى رقي جبلا اسمه : "قارة" فرغى ثلاثا ، وكان صالح قال لهم : أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب ، فلم يقدروا عليه ، وانفجت الصخرة بعد رغائه فدخلها ، فقال لهم صالح : تصبحون غدا ، ووجوهكم مصفرة ، وبعد غد ووجوهكم محمرة ، واليوم الثالث ووجوهكم مسودة ، ثم يصحبكم العذاب ، فلما رأوا العلامات ، طلبوا أن يقتلوه ، فأنجاه الله إلى أرض فلسطين ، ولما كان اليوم الرابع ، وارتفع الضحى ، تحنطوا بالصبر ، وتكفنوا بالأنطاع ، فأتتهم صيحة من السماء ، فتقطعت قلوبهم فهلكوا تأكل في أرض الله أي : الأرض أرض الله ، والناقة ناقة الله ، فذروها تأكل في أرض ربها ، فليست الأرض لكم ، ولا ما فيها من النبات من أنباتكم ولا تمسوها بسوء : لا تضربوها ، ولا تطردوها ، ولا تريبوها بشيء من الأذى ; إكراما لآية الله ، ويروى : وقال - صلى الله عليه وسلم - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين مر بالحجر في غزوة تبوك قال لأصحابه : "لا يدخلن أحد منكم القرية ، ولا تشربوا من مائها ، ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل الذي أصابهم" أتدري من أشقى الأولين"؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : "عاقر ناقة علي ، صالح ، أتدري من أشقى الآخرين"؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : "قاتلك" . "يا
[ ص: 464 ] وقرأ في رواية : "تأكل في أرض الله" ، وهو في موضع الحال بمعنى : "آكلة" أبو جعفر وبوأكم : ونزلكم ، والمباءة : المنزل في الأرض : في أرض الحجر بين الحجاز والشام من سهولها قصورا أي : تبنونها من سهولة الأرض بما تعملون منها من الرهص ، واللبن ، والآجر .
وقرأ : "وتنحتون" بفتح الحاء ، و “ تنحاتون" بإشباع الفتحة ; كقوله : [من الكامل] الحسن
ينباع من ذفرى أسيل حرة ............
[ ص: 465 ] فإن قلت : علام انتصب : " بيوتا "؟
قلت : على الحال ; كما تقول : خط هذا الثوب قميصا ، وابر هذه القصبة قلما ، وهي من الحال المقدرة ; لأن الجبل لا يكون بيتا في حال النحت ، ولا الثوب ولا القصبة قميصا وقلما في حال الخياطة والبري ، وقيل : كانوا يسكنون السهول في الصيف ، والجبال في الشتاء .