ولن تستطيعوا : ومحال أن تستطيعوا العدل بين النساء والتسوية حتى لا يقع ميل البتة ولا زيادة ولا نقصان فيما يجب لهن ، فرفع لذلك عنكم تمام العدل وغايته ، وما كلفتم منه إلا ما تستطيعون بشرط أن تبذلوا فيه وسعكم وطاقتكم ، لأن تكليف ما لا يستطاع داخل في حد الظلم وما ربك بظلام للعبيد [فصلت : 46] وقيل : معناه أن تعدلوا في المحبة ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم : يعني : المحبة; لأن أنه كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول "هذه قسمتي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك" - رضي الله عنها - كانت أحب إليه ، وقيل : إن العدل بينهن أمر صعب بالغ من الصعوبة حدا يوهم أنه غير مستطاع ، لأنه يجب أن يسوي بينهن في القسمة والنفقة والتعهد والنظر والإقبال والممالحة والمفاكهة والمؤانسة وغيرها مما لا يكاد الحصر يأتي من ورائه ، فهو كالخارج من حد الاستطاعة . هذا إذا كن محبوبات كلهن; فكيف إذا مال القلب مع بعضهن عائشة فلا تميلوا كل الميل : فلا تجوروا على المرغوب عنها كل الجور فتمنعوها قسمتها من غير رضا [ ص: 159 ] منها ، يعني : أن اجتناب كل الميل مما هو في حد اليسر والسعة; فلا تفرطوا فيه إن وقع منكم التفريط في العدل كله ، وفيه ضرب من التوبيخ فتذروها كالمعلقة : وهي التي ليست بذات بعل ولا مطلقة قال [من الرجز] :
هل هي إلا حظة أو تطليق أو صلف أو بين ذاك تعليق؟
وفي قراءة : فتذروها كالمسجونة ، وفي الحديث : أبي ، وروي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعث إلى أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال ، فقالت "من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل" - رضي الله عنها - : أإلى كل أزواج رسول الله بعث عائشة مثل هذا؟ قالوا : لا، بعث إلى القرشيات بمثل هذا وإلى غيرهن بغيره ، [ ص: 160 ] فقالت : ارفع رأسك فإن رسول الله "صلى الله عليه وسلم كان يعدل بيننا في القسمة بماله ونفسه . فرجع الرسول فأخبره ، فأتم لهن جميعا وكان لمعاذ امرأتان ، فإذا كان عند إحداهما لم يتوضأ في بيت الأخرى ، فماتتا بالطاعون فدفنهما في قبر واحد عمر وإن تصلحوا : ما مضى من ميلكم وتتداركوه بالتوبة وتتقوا فيما يستقبل ، غفر الله لكم .