إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير
إن تتوبا خطاب لحفصة على طريقة الالتفات، ليكون أبلغ في معاتبتهما. وعن وعائشة : لم أزل حريصا على أن أسأل ابن عباس عنهما حتى حج وحججت معه، فلما كان ببعض الطريق عدل وعدلت معه بالإداوة، فسكبت الماء على يده فتوضأ، فقلت: من هما؟ فقال: عجبا يا عمر - كأنه كره ما سألته عنه - ثم قال: هما حفصة وعائشة ابن عباس فقد صغت قلوبكما فقد وجد منكما ما يوجب التوبة، وهو ميل قلوبكما عن [ ص: 159 ] الواجب في مخالصة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حب ما يحبه وكراهة ما يكرهه. وقرأ : "فقد زاغت" "وإن تظاهرا" وإن تعاونا "عليه" بما يسوءه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره، فلن يعدم هو من يظاهره، وكيف يعدم المظاهر من الله "مولاه" أي وليه وناصره; وزيادة "هو" إيذان بأن نصرته عزيمة من عزائمه، وأنه يتولى ذلك بذاته. ابن مسعود
"وجبريل" رأس الكروبيين; وقرن ذكره بذكره مفردا له من بين الملائكة تعظيما له وإظهارا لمكانته عنده. وصالح المؤمنين ومن صلح من المؤمنين، يعني: كل من آمن وعمل صالحا. وعن : من برئ منهم من النفاق. وقيل: الأنبياء وقيل: الصحابة. وقيل: الخلفاء منهم. فإن قلت: صالح المؤمنين واحد أم جمع؟ قلت: هو واحد أريد به الجمع، كقولك: لا يفعل هذا الصالح من الناس، تريد الجنس، كقولك: لا يفعله من صلح منهم. ومثله قولك: كنت في السامر والحاضر. ويجوز أن يكون أصله: صالحو المؤمنين بالواو، فكتب بغير واو على اللفظ; لأن لفظ الواحد والجمع واحد فيه، كما جاءت أشياء في المصحف متبوع فيها حكم اللفظ دون وضع الخط "والملائكة" على تكاثر عددهم، وامتلاء السموات من جموعهم "بعد ذلك" بعد نصرة الله وناموسه وصالحي المؤمنين "ظهير" فوج مظاهر له، كأنه يد واحدة على من يعاديه، فما يبلغ تظاهر امرأتين على من هؤلاء ظهراؤه؟ فإن قلت: قوله: سعيد بن جبير بعد ذلك تعظيم للملائكة ومظاهرتهم. وقد تقدمت نصرة الله وجبريل وصالح المؤمنين، ونصرة الله تعالى أعظم وأعظم. قلت: مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله، فكأنه فضل نصرته تعالى بهم وبمظاهرتهم على غيرها من وجوه نصرته تعالى، لفضلهم على جميع خلقه. وقرئ: تظاهرا وتتظاهرا. وتظهرا.