مدنية، وتسمى سورة النبي صلى الله عليه وسلم
وهي ثنتا عشرة آية نزلت بعد [الحجرات]
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم
روي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا بمارية في يوم ، وعلمت بذلك عائشة ، فقال لها: اكتمي علي، وقد حرمت حفصة مارية على نفسي، وأبشرك أن أبا بكر يملكان [ ص: 154 ] بعدي أمر أمتي، فأخبرت به وعمر وكانتا متصادقتين. وقيل: خلا بها في يوم عائشة ، فأرضاها بذلك واستكتمها فلم تكتم، فطلقها واعتزل نساءه; ومكث تسعا وعشرين ليلة في بيت حفصة مارية . وروي قال لها: لو كان في آل الخطاب خير لما [ ص: 155 ] طلقك، فنزل عمر جبريل عليه السلام وقال: راجعها فإنها صوامة قوامة، وإنها لمن نسائك في الجنة. وروي: أن فتواطأت زينب بنت جحش، عائشة فقالتا له: إنا نشم منك ريح المغافير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره التفل، فحرم العسل، وحفصة فمعناه أنه شرب عسلا في بيت لم تحرم ما أحل الله لك من ملك اليمين أو العسل. و "تبتغي" إما تفسير لتحرم. أو حال: أو استئناف، وكان هذا زلة منه؛ لأنه لأن الله عز وجل إنما أحل ما أحل لحكمة ومصلحة عرفها في إحلاله، فإذا حرم كان ذلك قلب المصلحة مفسدة. ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله؛
والله غفور قد غفر لك ما زللت فيه "رحيم" قد رحمك فلم يؤاخذك به. قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فيه معنيان، أحدهما: قد شرع الله لكم الاستثناء في أيمانكم، من قولك: حلل فلان في يمينه، إذا استثنى فيها. ومنه: حلا أبيت اللعن، بمعنى: استثن في يمينك إذا أطلقها; وذلك أن يقول: "إن شاء الله" عقيبها، حتى لا يحنث. والثاني: قد شرع الله لكم تحلتها بالكفارة. ومنه قوله عليه السلام: " " وقول لا يموت لرجل ثلاثة أولاد فتمسه النار إلا تحلة القسم [من الطويل]: [ ص: 156 ] ذي الرمة
قليلا كتحليل الألي ...........
فإن قلت: ما ؟ قلت: قد اختلف فيه، فأبو حنيفة يراه يمينا في كل شيء، ويعتبر الانتفاع المقصود فيما يحرمه; فإذا حرم طعاما فقد حلف على أكله، أو أمة فعلى وطئها، أو زوجة فعلى الإيلاء منها إذا لم يكن له نية; وإن نوى الظهار فظهار; وإن نوى الطلاق فطلاق بائن، وكذلك إن نوى ثنتين وإن نوى ثلاثا فكما نوى، وإن قال: نويت الكذب دين فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يدين في القضاء بإبطال الإيلاء. وإن قال: كل حلال علي حرام فعلى الطعام والشراب إذا لم ينو، وإلا فعلى ما نوى، ولا يراه حكم تحريم الحلال يمينا. ولكن سببا في الكفارة في النساء وحدهن، وإن نوى الطلاق فهو رجعي عنده. وعن الشافعي أبي بكر وعمر وابن عباس وابن مسعود وزيد رضي الله عنهم: أن الحرام يمين. وعن : إذا نوى الطلاق فرجعي. وعن عمر رضي [ ص: 157 ] الله عنه: ثلاث. وعن علي زيد : واحدة بائنة. وعن : ظهار. وكان عثمان لا يراه شيئا ويقول: ما أبالي أحرمتها أم قصعة من ثريد، وكذلك عن مسروق قال: ليس بشيء، محتجا بقوله تعالى: الشعبي ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام [النحل: 116]. وقوله تعالى: لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم [المائدة: 87]. وما لم يحرمه الله تعالى فليس لأحد أن يحرمه ولا أن يصير بتحريمه حراما، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لما أحله الله: هو حرام علي، وإنما امتنع من مارية ليمين تقدمت منه، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ، فقيل له: والله لا أقربها بعد اليوم لم تحرم ما أحل الله لك أي: لم تمتنع منه بسبب اليمين، يعني: أقدم على ما حلفت عليه، وكفر عن يمينك. ونحوه قوله تعالى: وحرمنا عليه المراضع [القصص: 12]. أي: منعناه منها. وظاهر قوله تعالى: قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم أنه كانت منه يمين. فإن قلت: هل كفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك؟ قلت: عن : أنه لم يكفر; لأنه كان مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وإنما هو تعليم للمؤمنين. وعن الحسن : مقاتل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق رقبة في تحريم مارية والله مولاكم سيدكم ومتولي أموركم وهو العليم بما يصلحكم فيشرعه لكم "الحكيم" فلا يأمركم ولا ينهاكم إلا بما توجبه الحكمة. وقيل: مولاكم أولى [ ص: 158 ] بكم من أنفسكم، فكانت نصيحته أنفع لكم من نصائحكم لأنفسكم.