[ ص: 515 ] وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون
قالت قريش ، وقيل : إن القائل الحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف : نحن نعلم أنك على الحق ، ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب بذلك -وإنما نحن أكلة رأس ، أي : قليلون -أن يتخطفونا من أرضنا ، فألقمهم الله الحجر . بأنه مكن لهم في الحرم الذي آمنه بحرمة البيت وآمن قطانه بحرمته ، وكانت العرب في الجاهلية حولهم يتغاورون ويتناحرون ، وهم آمنون في حرمهم لا يخافون ، وبحرمة البيت قارون بواد غير ذي زرع ، والثمرات والأرزاق تجبى إليهم من كل أوب ، فإذا خولهم الله ما خولهم من الأمن والرزق بحرمة البيت وحدها وهم كفرة عبدة أصنام فكيف يستقيم أن يعرضهم للتخوف والتخطف ، ويسلبهم الأمن إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة الإسلام . وإسناد الأمن إلى أهل الحرم حقيقة ، وإلى الحرم مجاز يجبى إليه تجلب وتجمع . وقرئ : بالياء والتاء . وقرئ : "تجنى " ، بالنون ، من الجني . وتعديته بإلى كقوله : يجنى إلي فيه ، ويجنى إلى الخافة . وثمرات : بضمتين وبضمة وسكون . ومعنى الكلية : الكثرة كقوله : وأوتيت من كل شيء [النمل : 23 ] ، ولكن أكثرهم لا يعلمون متعلق بقوله : من لدنا أي قليل منهم يقرون بأن ذلك رزق من عند الله ، وأكثرهم جهلة لا يعلمون ذلك ولا يفطنون له ، ولو علموا أنه من عند الله لعلموا أن الخوف والأمن من عنده ، ولما خافوا التخطف إذا آمنوا به وخلعوا أنداده . فإن قلت : بم انتصب رزقا ؟ قلت : إن جعلته مصدرا جاز أن ينتصب بمعنى ما قبله ؛ لأن معنى يجبى إليه ثمرات كل شيء ويرزق ثمرات كل شيء : واحد ، وأن يكون مفعولا له . وإن جعلته بمعنى : مرزوق ، كان حالا من الثمرات لتخصصها بالإضافة ، كما تنتصب عن النكرة المتخصصة بالصفة .