[ ص: 91 ] سورة الأنعام مكية كلها في قول الأكثرين، وقيل: إنها نزلت جملة واحدة.وقال ابن عباس : هي مكية إلا آيتين منها نزلتا وقتادة بالمدينة: إحداهما : وما قدروا الله حق قدره [ الأنعام: 91] نزلت في مالك بن الصيف وكعب بن الأشرف اليهوديين ، والأخرى وهو الذي أنشأ جنات معروشات [الأنعام : 141] نزلت في وقال ثابت بن قيس بن شماس. : نزلت في ابن جريج ، وقيل: شيع هذه السورة سبعون ألف ملك. معاذ بن جبل
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون
قوله عز وجل: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض الآية قال فاتحة التوراة فاتحة الأنعام إلى قوله: وهب بن منبه: يعدلون ، وخاتمة التوراة خاتمة هود. وقوله: الحمد لله جاء على صيغة الخبر وفيه معنى الأمر ، وذلك أولى [ ص: 92 ] من أن يجيء بلفظ الأمر فيقول احمد الله ، لأمرين: أحدهما: أنه يتضمن تعليم اللفظ والمعنى ، وفي الأمر المعنى دون اللفظ. والثاني: أن البرهان إنما يشهد بمعنى الخبر دون الأمر. الذي خلق السماوات والأرض لأن ، لأن الأرض تقل ، والسماء تظل ، وهي من أوائل نعمه على خلقه ، ولذلك استحمد بخلقها وأضاف خلقها إلى نفسه عند حمده ، على أن مستحق الحمد هو خالق السماوات والأرض ، ليكون باستحقاق الحمد منفردا لانفراده بخلق السماوات والأرض. وفي جمع السماوات وتوحيد الأرض وجهان: أحدهما: لأن السماوات أشرف من الأرض ، والجمع أبلغ في التفخيم من التوحيد كقوله تعالى: خلق السماوات والأرض نعم تستوجب الحمد إنا نحن نزلنا الذكر [الحجر: 9] . والثاني: لأن أوامره إلى الأرض تخترق جميع السماوات السبع. وفي تقديم السماوات على الأرض وجهان: أحدهما: لتقدم خلقها على الأرض. والثاني: لشرفها فقدمها على ذكر الأرض وإن كانت مخلوقة بعد الأرض. وهذان الوجهان من اختلاف العلماء أيهما خلق أولا. وجعل الظلمات والنور يعني وخلق ، فغاير بين اللفظ ليكون أحسن في النظم ، والمراد بالظلمات والنور هنا ثلاثة أوجه: أحدها: وهو المشهور من قول ، قدم الظلمة على النور لأنه قدم خلق الظلمة على خلق النور ، وجمع الظلمات ووحد النور لأن الظلمات أعم من النور. والثاني: أن الظلمات: الليل ، والنور: النهار. والثالث: أن الظلمات: الكفر ، والنور: الإيمان ، قاله قتادة . ولأصحاب الخواطر ، فيه ثلاثة أوجه أخر: [ ص: 93 ] أحدها: أن الظلمات: الأجسام ، والنور: الأرواح. السدي
الثاني: أن الظلمات: أعمال الأبدان ، والنور: ضمائر القلوب. والثالث: أن الظلمات: الجهل ، والنور: العلم. ثم الذين كفروا بربهم يعدلون أي يجعلون له مع هذه النعم عدلا ، يعني مثلا. وفيه قولان: أحدهما: أنهم يعدلون به الأصنام التي يعبدونها. والثاني: أنهم يعدلون به إلها غيره لم يخلق مثل خلقه. هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده في هذين الأجلين أربعة أقاويل: أحدها: أن الأجل الأول الذي قضاه أجل الحياة إلى الموت ، والأجل الثاني المسمى عنده أجل الموت إلى البعث ، قاله ، الحسن . وقتادة
الثاني: أن الأجل الأول الذي قضاه أجل الدنيا ، والأجل الثاني المسمى عنه ابتداء الآخرة ، قاله ، ابن عباس . والثالث: أن الأجل الأول الذي قضاه هو حين أخذ الميثاق على خلقه في ظهر ومجاهد آدم ، والأجل الثاني المسمى عنده الحياة في الدنيا ، قاله . والرابع: أن الأجل الذي قضاه أجل من مات ، والأجل المسمى عنده أجل من يموت بعد ، قاله ابن زيد ابن شجرة. تمترون فيه وجهان: أحدهما: تشكون ، والامتراء: الشك. والثاني: تختلفون ، مأخوذ من المراء وهو الاختلاف. [ ص: 94 ] قوله تعالى: وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أن معنى الكلام وهو الله المدبر في السماوات وفي الأرض. يعلم سركم وجهركم أي ما تخفون ، وما تعلنون. والثاني: وهو الله المعبود في السماوات ، وفي الأرض. والثالث: أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، وتقديره: وهو الله يعلم سركم وجهركم في السماوات وفي الأرض ، لأن في السماوات الملائكة ، وفي الأرض الإنس والجن ، قاله . الزجاج ويعلم ما تكسبون أي ما تعلمون من بعد ، ولا يخفى عليه ما كان منكم ، ولا ما سيكون ، ولا ما أنتم عليه في الحال من سر ، وجهر.