إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم هو الذي أنزل عليك [ ص: 369 ] الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد
قوله عز وجل: هو الذي أنزل عليك الكتاب يعني القرآن. منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات اختلف المفسرون في تأويله على سبعة أقاويل: أحدها: أن المحكم الناسخ ، والمتشابه المنسوخ ، قاله ، ابن عباس والثاني: أن المحكم ما أحكم الله بيان حلاله وحرامه فلم تشتبه معانيه ، قاله وابن مسعود. . والثالث: أن المحكم ما لم يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا ، والمتشابه ما احتمل أوجها ، قاله مجاهد الشافعي ومحمد بن جعفر بن الزبير. والرابع: أن ، قاله المحكم الذي لم تتكرر ألفاظه ، والمتشابه الذي تكررت ألفاظه . والخامس: أن المحكم الفرائض والوعد والوعيد ، والمتشابه القصص والأمثال. والسادس: أن المحكم ما عرف العلماء تأويله وفهموا معناه وتفسيره ، والمتشابه ما لم يكن إلى علمه سبيل مما استأثر الله بعلمه ، كقيام الساعة ، وطلوع الشمس من مغربها ، وخروج ابن زيد عيسى ونحوه ، وهذا قول والسابع: أن المحكم ما قام بنفسه ولم يحتج إلى استدلال. [ ص: 370 ] جابر بن عبد الله.
ويحتمل ثامنا: أن المحكم ما كانت معاني أحكامه معقولة ، والمتشابه ما كانت معاني أحكامه غير معقولة ، كأعداد الصلوات ، واختصاص الصيام بشهر رمضان دون شعبان. وإنما جعله محكما ومتشابها استدعاء للنظر من غير اتكال على الخبر ، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: معاذ بن جبل (القرآن على ثلاثة أجزاء: حلال فاتبعه ، وحرام فاجتنبه ، ومتشابه يشكل عليك فكله إلى عالمه . وأما قوله تعالى: هن أم الكتاب ففيه وجهان: أحدهما: أصل الكتاب. والثاني: معلوم الكتاب. وفيه تأويلان: أحدهما: أنه أراد الآي التي فيها الفرائض والحدود ، قاله والثاني: أنه أراد فواتح السور التي يستخرج منها القرآن ، وهو قول يحيى بن يعمر. أبي فاختة. ويحتمل ثالثا: أن يريد به أنه معقول المعاني لأنه يتفرع عنه ما شاركه في معناه ، فيصير الأصل لفروعه كالأم لحدوثها عنه ، فلذلك سماه أم الكتاب. فأما الذين في قلوبهم زيغ فيه تأويلان: أحدهما: ميل عن الحق. والثاني: شك ، قاله . مجاهد فيتبعون ما تشابه منه فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: أنه الأجل الذي أرادت اليهود أن تعرفه من الحروف المقطعة من حساب الجمل في انقضاء مدة النبي صلى الله عليه وسلم. والثاني: أنه معرفة عواقب القرآن في العلم بورود النسخ قبل وقته. [ ص: 371 ]
والثالث: أن ذلك نزل في وفد نجران لما حاجوا النبي صلى الله عليه وسلم في المسيح ، فقالوا: أليس كلمة الله وروحه؟ قال: (بلى) فقالوا: حسبنا ، فأنزل الله تعالى: فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وهو قول وفي قوله تعالى: الربيع. ابتغاء الفتنة أربعة تأويلات: أحدها: الشرك ، قاله . والثاني: اللبس ، قاله السدي . الثالث: الشبهات التي حاج بها مجاهد وفد نجران. والرابع: إفساد ذات البين. وابتغاء تأويله في التأويل وجهان: أحدهما: أنه التفسير. والثاني: أنه العاقبة المنتظرة. وما يعلم تأويله إلا الله فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: تأويل جميع المتشابه ، لأن فيه ما يعلمه الناس ، وفيه ما لا يعلمه إلا الله ، قاله . والثاني: أن تأويله يوم القيامة لما فيه من الوعد والوعيد ، كما قال الله تعالى: الحسن هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله [الأعراف: 53] يعني يوم القيامة ، قاله . [ ص: 372 ] ابن عباس
والثالث: تأويله وقت حلوله ، قاله بعض المتأخرين. والراسخون في العلم فيه وجهان: أحدهما: يعني الثابتين فيه ، العاملين به. والثاني: يعني المستنبطين للعلم والعاملين ، وفيهم وجهان: أحدهما: أنهم داخلون في الاستثناء ، وتقديره: أن الذي يعلم تأويله الله والراسخون في العلم جميعا. روى عن ابن أبي نجيح أنه قال: أنا ممن يعلم تأويله. الثاني: أنهم خارجون من الاستثناء ، ويكون معنى الكلام: ما يعلم تأويله إلا الله وحده ، ثم استأنف فقال: ابن عباس والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا يحتمل وجهين: أحدهما: علم ذلك عند ربنا. والثاني: ما فصله من المحكم والمتشابه ، فنزل من عند ربنا.