يوم ترى المؤمنين والمؤمنات ظرف لما تعلق به له أو له أو لقوله تعالى : ( فيضاعفه ) أو منصوب بإضمار اذكر تفخيما لذلك اليوم ، والرؤية بصرية والخطاب لكل من تتأتى منه أو لسيد المخاطبين صلى الله تعالى عليه وسلم ، وقوله عز وجل : يسعى نورهم حال من مفعول ترى والمراد بالنور حقيقته على ما ظهر من شموس الأخبار - وإليه ذهب الجمهور - والمعنى يسعى نورهم إذا سعوا . بين أيديهم وبأيمانهم أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وصححه والحاكم عن وابن مردويه أنه قال : «يؤتون نورهم على قدر أعمالهم يمرون على الصراط منهم من نوره مثل الجبل ومنهم من نوره مثل النخلة وأدناهم نورا من نوره على إبهامه يطفأ مرة ويقد أخرى » وظاهره أن هذا النور يكون عند المرور على الصراط ، وقال بعضهم : يكون قبل ذلك ويستمر معهم إذا مروا على الصراط ، وفي الأخبار ما يقتضيه كما ستسمعه قريبا إن شاء الله تعالى ، والمراد أنه يكون لهم في جهتين جهة الأمام وجهة اليمين وخصا لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين كما أن الأشقياء يؤتونها من شمائلهم ووراء ظهورهم ، وفي البحر الظاهر أن النور قسمان : نور بين أيديهم يضيء الجهة التي يؤمونها . ونور بأيمانهم يضيء ما حواليهم من الجهات ، وقال الجمهور : إن النور أصله بأيمانهم والذي بين أيديهم هو الضوء المنبسط من ذلك ، وقيل : الباء بمعنى عن أي وعن أيمانهم والمعنى في جميع جهاتهم ، وذكر الأيمان لشرفها انتهى ، ويشهد لهذا المعنى [ ص: 175 ] ما أخرج ابن مسعود ابن أبي حاتم وصححه والحاكم عن وابن مردويه عبد الرحمن بن جبير بن نضير أنه سمع أبا ذر وأبا الدرداء قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نوح عليه السلام إلى أمتك ؟ قال : غر محجلون من أثر الوضوء ولا يكون لأحد غيرهم وأعرفهم أنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود وأعرفهم بنورهم الذي يسعى بين أيديهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم » وظاهر هذا الخبر اختصاص النور بمؤمني هذه الأمة وكذا إيتاء الكتب بالأيمان وبعض الأخبار يقتضي كونه لكل مؤمن ، أخرج «أنا أول من يؤذن له في السجود يوم القيامة وأول من يؤذن له فيرفع رأسه فأرفع رأسي فأنظر بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي فأعرف أمتي بين الأمم فقيل : يا رسول الله وكيف تعرفهم من بين الأمم ما بين عن ابن أبي حاتم قال : أبي أمامة «تبعث ظلمة يوم القيامة فما من مؤمن ولا كافر يرى كفه حتى يبعث الله تعالى بالنور للمؤمنين بقدر أعمالهم » الخبر ، وأخرج عنه وصححه الحاكم من وجه آخر وابن أبي حاتم وابن المبارك في الأسماء والصفات خبرا طويلا فيه أيضا ما هو ظاهر في العموم ، وكذا ما أخرج والبيهقي ابن جرير في البعث عن والبيهقي قال : بينما الناس في ظلمة إذ بعث الله تعالى نورا فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه وكان النور دليلا لهم من الله عز وجل إلى الجنة ، ولا ينافي هذا الخبر كونهم يمرون بنورهم على الصراط كما لا يخفى ، وكذا إيتاء الكتب بالأيمان ، ففي هداية المريد لجوهرة التوحيد ظاهر الآيات والأحاديث عدم اختصاصه يعني أخذ الصحف بهذه الأمة وإن تردد فيه بعض العلماء انتهى . ابن عباس
ويمكن أن يقال : إن ما يكون من النور لهذه الأمة أجلى من النور الذي يكون لغيرها أو هو ممتاز بنوع آخر من الامتياز ، وأما إيتاء الكتب بالأيمان فلعله لكثرته فيها بالنسبة إلى سائر الأمم تعرف به ، وفي هذا المطلب أبحاث أخر تذكر إن شاء الله تعالى في محلها ، وقيل : أريد بالنور القرآن ، وقال : النور استعارة عن الهدى والرضوان الذي هم فيه ، وقرأ الضحاك سهل بن شعيب السهمي وأبو حيوة «وبإيمانهم » بكسر الهمزة ، وخرج ذلك على أن الظرف يعني أيديهم متعلق بمحذوف والعطف عليه بذلك الاعتبار أي كائنا بين أيديهم وكائنا بسبب إيمانهم وهو كما ترى ، ولعله متعلق بالقول المقدر في قوله تعالى : أبو حيان بشراكم اليوم جنات أي وبسبب إيمانهم يقال لهم ذلك ، وجملة القول ، إما معطوفة على ما قبل أو استئناف أو حال ويجوز على الحالية تقدير الوصف منه أي مقولا لهم ، والقائل الملائكة الذين يتلقونهم .
والمراد بالبشرى ما يبشر به دون التبشير والكلام على حذف مضاف أي ما تبشرون به دخول جنات يصح بدونه أي ما تبشرون به جنات ، ويصح بدونه أي ما تبشرون به جنات ، وما قيل : البشارة لا تكون بالأعيان فيه نظر ، وتقدير المضاف لا يغني عن تأويل البشرى لأن التبشير ليس عين الدخول ، وجملة قوله تعالى : تجري من تحتها الأنهار في موضع الصفة لجنات : وقوله سبحانه : خالدين فيها حال من جنات ، قال : وفي الكلام التفات من ضمير الخطاب في أبو حيان بشراكم إلى ضمير الغائب في ( خالدين ) ولو أجري على الخطاب لكان التركيب خالدا أنتم فيها : ذلك هو الفوز العظيم يحتمل أن يكون من كلامه تعالى فالإشارة إلى ما ذكر من النور والبشرى بالجنات ، ويحتمل أن يكون من كلام الملائكة عليهم السلام المتلقين لهم ، فالإشارة إلى ما هم فيه من النور وغيره أو إلى الجنات بتأويل ما ذكر أو لكونها فوزا على ما قيل ، وقرئ ذلك الفوز بدون ( هو) .