ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا قرأ ابن عامر وحمزة وعاصم ويعقوب ولا يأمركم بالنصب عطفا على (يقول)، (ولا) إما مزيدة لتأكيد معنى النفي الشائع في الاستعمال سيما عند طول العهد وتخلل الفصل، والمعنى ما كان لبشر أن يؤتيه الله تعالى ذلك ويرسله للدعوة إلى اختصاصه بالعبادة وترك الأنداد ثم يأمر الناس بأن يكونوا عبادا له ويأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا، فهو كقولك: ما كان لزيد أن أكرمه ثم يهينني ولا يستخف بي، وإما غير زائدة بناء على أنه صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن عبادة الملائكة والمسيح وعزير عليهم السلام، فلما قيل له: أنتخذك ربا؟ قيل لهم: ما كان لبشر أن يتخذه الله تعالى نبيا ثم يأمر الناس بعبادته وينهاهم عن عبادة الملائكة والأنبياء، مع أن من يريد أن يستعبد شخصا يقول له: ينبغي أن تعبد أمثالي وأكفائي، وعلى هذا يكون المقصود من عدم الأمر النهي، وإن كان أعم منه لكونه أمس بالمقصود وأوفق للواقع.
وقرأ باقي السبعة (ولا يأمركم) بالرفع على الاستئناف، ويحتمل الحالية، وقيل: والرفع على الاستئناف أظهر، وينصره قراءة (ولن يأمركم) ووجهت الأظهرية بالخلو عن تكلف جعل عدم الأمر بمعنى النهي، وبأن العطف يستدعي تقديمه على (لكن) وكذا الحالية أيضا. [ ص: 209 ]
وقرئ بإسكان الراء فرارا من توالي الحركات، وعلى سائر القراءات ضمير الفاعل عائد على بشر، وجوز عوده في بعضها على الله تعالى، وجوز الأمران أيضا في قوله تعالى: أيأمركم بالكفر والاستفهام فيه للإنكار، وكون مرجع الضمير في أحد الاحتمالين نكرة يجعله عاما بعد إذ أنتم مسلمون [ 80 ] استدل به الخطيب على أن الآية نزلت في المسلمين القائلين «أفلا نسجد لك؟» بناء على الظاهر، ووجه كون الخطاب للكفار وأن الآية نزلت فيهم بأنه يجوز أن يقال لأهل الكتاب: أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون أي منقادون مستعدون للدين الحق إرخاء للعنان واستدراجا، والقول بأن كل مصدق بنبيه مسلم، ودعواه أنه أمره نبيه بما يوجب كفره دعوى أنه أمره بالكفر بعد إسلامه فدلالة هذا على أن الخطاب للمسلمين ضعيفة في غاية السقوط، كما لا يخفى.