"ومن باب الإشارة" قيل: إن قوله سبحانه "يس" إشارة إلى سيادته - عليه الصلاة والسلام - على جميع المخلوقات فالسيد المتولي للسواد أي الجماعة الكثيرة، وهي هاهنا جميع الخلق فكأنه قيل: يا سيد الخلق، وتوليته - عليه الصلاة والسلام - عليهم لأنه الواسطة العظمى في الإفاضة والإمداد، وفي الخبر: الله تعالى المعطي وأنا القاسم، فمنزلته صلى الله عليه وسلم من العالم بأسره بمنزلة القلب من البدن، فما ألطف افتتاح قلب القرآن بقلب الأكوان! وفي السين بيناتها وزبرها أسرار لا تحصى، وكذا في مجموع
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=1يس nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=2والقرآن قد يكون إشارة إليه صلى الله عليه وسلم فقد ذكر الصوفية أنه يشار به إلى الإنسان الكامل، وكذا الكتاب المبين وعلى ذلك جاء قول
الشيخ الأكبر قدس سره:
أنا القرآن والسبع المثاني وروح الروح لا روح الأواني
ولا أحد أكمل من النبي عليه الصلاة والسلام، وطبق بعضهم قصة أهل
أنطاكية على ما في الأنفس بجعل القرية إشارة إلى القلب، وأصحابها إشارة إلى النفس وصفاتها، والاثنين إشارة إلى الخاطر الرحماني والإلهام الرباني، والثالث المعزز به إشارة إلى الجذبة، والرجل الجائي من أقصى المدينة إشارة إلى الروح، وطبق كثير من آيات هذه السورة
[ ص: 64 ] على هذا الطرز، وقيل: في قوله سبحانه
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=19طائركم معكم إنه إشارة إلى استعدادهم السيء الذي طار بهم عنقاء مغربة:
إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم
وقيل: في
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=55أصحاب الجنة في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=55إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=56هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون إنه إشارة إلى طائفة من المؤمنين كان الغالب عليهم في الدنيا طلب الجنة؛ ولذا أضيفوا إليها وهم دون أهل الله تعالى وخاصته الذين لم يلتفتوا إلى شيء سواه عز وجل، فأولئك مشغولون بلذائذ ما طلبوه، وهؤلاء جلساء الحضرة المشغولون بمولاهم جل شأنه المتنعمون بوصاله ومشاهدة جماله، وفرق بين الحالين وشتان ما بين الفريقين، ولذا قيل: أكثر أهل الجنة البله فافهم الإشارة.
والشيطان في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=60ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إشارة إلى كل ما يطاع ويذل له غير الله - عز وجل - كائنا ما كان وعداوته لما أنه سبب الحجاب عن رب الأرباب، وفي قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=76فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون إشارة إلى أنه لا ينبغي الاكتراث بأذى الأعداء والالتفات إليه، فإن الله تعالى سيجازيهم عليه، إذا أوقفهم بين يديه. هذا، ونسأل الله تعالى أن يحفظنا من شر الأشرار، وأن ينور قلوبنا بمعرفته كما نور قلوب عباده الأبرار ونصلي ونسلم على حبيبه قلب جسد الأعيان وعلى آله وصحبه ما دامت سورة يس قلب القرآن.
"وَمِنْ بَابِ الْإِشَارَةِ" قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ "يس" إِشَارَةٌ إِلَى سِيَادَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ فَالسَّيِّدُ الْمُتَوَلِّي لِلسَّوَادِ أَيِ الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ، وَهِيَ هَاهُنَا جَمِيعُ الْخَلْقِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: يَا سَيِّدَ الْخَلْقِ، وَتَوْلِيَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ الْوَاسِطَةُ الْعُظْمَى فِي الْإِفَاضَةِ وَالْإِمْدَادِ، وَفِي الْخَبَرِ: اللَّهُ تَعَالَى الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ، فَمَنْزِلَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَالَمِ بِأَسْرِهِ بِمَنْزِلَةِ الْقَلْبِ مِنَ الْبَدَنِ، فَمَا أَلْطَفَ افْتِتَاحَ قَلْبِ الْقُرْآنِ بِقَلْبِ الْأَكْوَانِ! وَفِي السِّينِ بَيِّنَاتُهَا وَزُبُرُهَا أَسْرَارٌ لَا تُحْصَى، وَكَذَا فِي مَجْمُوعِ
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=1يس nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=2وَالْقُرْآنِ قَدْ يَكُونُ إِشَارَةً إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ ذَكَرَ الصُّوفِيَّةُ أَنَّهُ يُشَارُ بِهِ إِلَى الْإِنْسَانِ الْكَامِلِ، وَكَذَا الْكِتَابُ الْمُبِينُ وَعَلَى ذَلِكَ جَاءَ قَوْلُ
الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ قُدِّسَ سِرُّهُ:
أَنَا الْقُرْآنُ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي وَرُوحُ الرُّوحِ لَا رُوحَ الْأَوَانِي
وَلَا أَحَدَ أَكْمَلَ مِنَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَطَبَّقَ بَعْضُهُمْ قِصَّةَ أَهْلِ
أَنْطَاكِيَةَ عَلَى مَا فِي الْأَنْفُسِ بِجَعْلِ الْقَرْيَةِ إِشَارَةً إِلَى الْقَلْبِ، وَأَصْحَابِهَا إِشَارَةً إِلَى النَّفْسِ وَصِفَاتِهَا، وَالِاثْنَيْنِ إِشَارَةً إِلَى الْخَاطِرِ الرَّحْمَانِيِّ وَالْإِلْهَامِ الرَّبَّانِيِّ، وَالثَّالِثِ الْمُعَزَّزِ بِهِ إِشَارَةً إِلَى الْجَذْبَةِ، وَالرَّجُلِ الْجَائِي مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ إِشَارَةً إِلَى الرُّوحِ، وَطُبِّقَ كَثِيرٌ مِنْ آيَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ
[ ص: 64 ] عَلَى هَذَا الطِّرْزِ، وَقِيلَ: فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=19طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ إِنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى اسْتِعْدَادِهِمُ السَّيِّءِ الَّذِي طَارَ بِهِمْ عَنْقَاءُ مُغْرِبَةٌ:
إِلَى حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَهَا أَمُّ قَشْعَمِ
وَقِيلَ: فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=55أَصْحَابَ الْجَنَّةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=55إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=56هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ إِنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا طَلَبَ الْجَنَّةِ؛ وَلِذَا أَضِيفُوا إِلَيْهَا وَهُمْ دُونَ أَهْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَاصَّتِهِ الَّذِينَ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى شَيْءٍ سِوَاهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَأُولَئِكَ مَشْغُولُونَ بِلَذَائِذِ مَا طَلَبُوهُ، وَهَؤُلَاءِ جُلَسَاءُ الْحَضْرَةِ الْمَشْغُولُونَ بِمَوْلَاهُمْ جَلَّ شَأْنُهُ الْمُتَنَعِّمُونَ بِوِصَالِهِ وَمُشَاهَدَةِ جَمَالِهِ، وَفَرِّقِ بَيْنَ الْحَالَيْنِ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَلِذَا قِيلَ: أَكْثُرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ فَافْهَمِ الْإِشَارَةَ.
وَالشَّيْطَانُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=60أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِشَارَةٌ إِلَى كُلِّ مَا يُطَاعُ وَيُذَلُّ لَهُ غَيْرَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - كَائِنًا مَا كَانَ وَعَدَاوَتُهُ لِمَا أَنَّهُ سَبَبُ الْحِجَابِ عَنْ رَبِّ الْأَرْبَابِ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=76فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي الِاكْتِرَاثُ بِأَذَى الْأَعْدَاءِ وَالِالْتِفَاتُ إِلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ، إِذَا أَوْقَفَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ. هَذَا، وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَحْفَظَنَا مِنْ شَرِّ الْأَشْرَارِ، وَأَنْ يُنَوِّرَ قُلُوبَنَا بِمَعْرِفَتِهِ كَمَا نَوَّرَ قُلُوبَ عِبَادِهِ الْأَبْرَارِ وَنُصَلِّي وَنُسَلِّمُ عَلَى حَبِيبِهِ قَلْبِ جَسَدِ الْأَعْيَانِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ مَا دَامَتْ سُورَةُ يس قَلْبَ الْقُرْآنِ.