أولم يهد لهم الهمزة للإنكار، والواو للعطف على منوي يقتضيه المقام، ويناسب المعطوف معنى على ما اختاره غير واحد، وفعل الهداية إما من قبيل: فلان يعطي، في أن المراد إيقاع نفس الفعل بلا ملاحظة المفعول، وإما بمعنى التبيين، والمفعول محذوف، والفاعل ضمير عائد إلى ما في الذهن، ويفسره قوله تعالى: كم أهلكنا من قبلهم من القرون وكم في محل نصب (بأهلكنا) أي أغفلوا، ولم يفعل الهداية لهم، أو ولم يبين لهم مآل أمرهم أو طريق الحق كثرة من أهلكنا، أو كثرة إهلاك من أهلكنا من القرون الماضية مثل عاد، وثمود، وقوم لوط، ولا يجوز أن تكون ( كم ) فاعلا لصدارتها كما نص على ذلك حاكيا له عن البصريين، وقال الزجاج كم في موضع رفع (بيهد) كأنك قلت: أولم يهد لهم القرون الهالكة فيتعظوا، ولا أن يكون محذوفا، لأن الفاعل لا يحذف إلا في مواضع مخصوصة ليس هذا منها، ولا مضمرا عائدا إلى ما بعد، لأنه يلزم عود الضمير إلى متأخر لفظا، ورتبة في غير محل جوازه، ولا الجملة نفسها لأنها لا تقع فاعلا على الصحيح إلا إذا قصد لفظها نحو: تعصم لا إله إلا الله الدماء والأموال، وجوز أن يكون الفاعل ضميره تعالى شأنه لسبق ذكره سبحانه في قوله تعالى: ( إن ربك ) إلخ، وأيد بقراءة زيد «نهد لهم» بنون العظمة، قال الفراء: الخفاجي: والفعل بكم عن المفعول وهو مضمون الجملة لتضمنه معنى العلم، فلا تغفل.
يمشون في مساكنهم أي يمرون في متاجرهم على ديارهم وبلادهم ويشاهدون آثار هلاكهم، والجملة حال من ضمير ( لهم)، وقيل: من ( القرون)، والمعنى: أهلكناهم حال غفلتهم، وقيل: مستأنفة بيان لوجه هدايتهم.
وقرأ ابن السميقع «يمشون» بالتشديد على أنه تفعيل من المشي للتكثير، إن في ذلك أي فيما ذكر من إهلاكنا للأمم الخالية العاتية، أو في مساكنهم لآيات عظيمة في أنفسها كثيرة في عددها، أفلا يسمعون هذه الآيات سماع تدبر واتعاظ.