قالوا في جواب هارون عليه السلام لن نبرح عليه أي لا نزال على عبادة العجل (عاكفين) مقيمين حتى يرجع إلينا موسى الظاهر من حالهم أنهم لم يجعلوا رجوعه عليه السلام وماذا يقول فيه ، وقيل : إنهم علق في أذهانهم قول السامري : هذا إلهكم وإله موسى فنسي فغيوا برجوعه بطريق التعليل والتسويف وأضمروا أنه إذا رجع عليه السلام يوافقهم على عبادته وحاشاه ، وهذا مبني على أن المحاورة بينهم وبين هارون عليه السلام وقعت بعد قول السامري المذكور فيكون (من قبل) على معنى من قبل رجوع موسى ، وذكر أن هذا الجواب يؤيده هذا المعنى لأن قولهم : لن نبرح إلخ يدل على عكوفهم حال قوله عليه السلام وهم لم يعكفوا على عبادته قبل قول السامري وإنما عكفوا بعده .
وقال الطيبي : إن جوابهم هذا من باب الأسلوب الأحمق نقيض الأسلوب الحكيم؛ لأنهم قالوه عن قلة مبالاة بالأدلة الظاهرة كما قال نمروذ في جواب الخليل عليه السلام أنا أحيي وأميت فتأمل ، واستدل بهذا التغيي على أن- لن- لا تفيد التأبيد لأن التغيي لا يكون إلا حيث يكون الشيء محتملا فيزال الاحتمال به . أبو حيان
وأنت تعلم أن القائل بإفادتها ذلك لا يدعي أنها تفيده في كل الموارد وهو ظاهر ، وفي بعض الأخبار أنهم لما قالوا ذلك اعتزلهم هارون عليه السلام في اثني عشر ألفا، وهم الذين لم يعبدوا العجل، فلما رجع موسى عليه السلام وسمع الصياح وكانوا يسجدون إذا خار العجل فلا يرفعون حتى يخور ثانية ، وفي رواية كانوا يرقصون عند خواره، قال للسبعين الذين كانوا معه : هذا صوت الفتنة حتى إذا وصل قال لقومه ما قال وسمع منهم ما قالوا .