وجاء في بعض الآثار أن أهل مدين أهلكوا بالظلة والرجفة، فقد روي عن وغيره في هذه الآية أن الله تعالى فتح عليهم بابا من جهنم، فأرسل عليهم حرا شديدا، فأخذ بأنفاسهم ولم ينفعهم ظل ولا ماء فكانوا يدخلون الأسراب فيجدونها أشد حرا من الظاهر فخرجوا إلى البرية، فبعث الله تعالى سحابة فيها ريح طيبة فأظلتهم فوجدوا لها بردا، فنادى بعضهم بعضا حتى اجتمعوا تحتها رجالهم ونساؤهم وصبيانهم، فألهبها عليهم نارا ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلي، وصاروا رمادا. ويشكل على هلاكهم جميعا نساء ورجالا ما نقل عن ابن عباس عبد الله البجلي قال: كان أبو جاد وهوز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت ملوك مدين، وكان ملكهم في زمن شعيب عليه السلام كلمن، فلما هلك يوم الظلة رثته ابنته بقولها:
كلمن قد هد ركني ... هلكه وسط المحلة سيد القوم أتاه الح
... تف نار تحت ظلة جعلت نار عليهم
... دارهم كالمضمحله
فأصبحوا في دارهم جاثمين تقدم نظيره شعيبا الذين كذبوا استئناف لبيان ابتلائهم بشؤم قولهم:
لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا والموصول مبتدأ خبره قوله تعالى: كأن لم يغنوا فيها أي: لم يقيموا في دارهم، وقال المعنى كأن لم يعيشوا فيها مستغنين، وذكر غير واحد أنه يقال: غني بالمكان يغنى غنى وغنيانا إذا أقام به دهرا طويلا، وقيده بعضهم بالإقامة في عيش رغد، وقال قتادة: كغيره: إنه من الغنى ضد الفقر، كما في قول ابن الأنباري حاتم:
غنينا زمانا بالتصعلك والغنى ... فكلا سقاناه بكأسهما الدهر
فما زادنا بغيا على ذي قرابة ... غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر