( الخامس ) لما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة إلا بخطبتين ( قبل الصلاة ) إجماعا إلا من شذ وفارقت العيد فإن خطبتيه مؤخرتان عنه للاتباع أيضا ولأن هذه شرط والشرط مقدم بخلاف تلك فإنها تكملة فكانت الصلاة أهم منها بالتقديم ويفرق بين كونها شرطا هنا لا ثم بأن المقصود منها هنا التذكير بمهمات المصالح الشرعية حتى لا تنسى فوجب ذلك في كل جمعة ؛ لأن ما هو مكرر كذلك لا ينسى غالبا وجعل شرطا تتوقف عليه الصحة مبالغة في حفظه والاستمرار عليه وثم صرف النفوس عما يقتضيه العيد من فخرها ومرحها وذلك من مهمات المندوبات دون الواجبات ، فإن قلت يوم الجمعة يوم عيد أيضا خطبتان قلت العيد مختلف ؛ لأن ذاك من عود السرور الحسي وهذا من عود السرور الشرعي لكثرة ما فيه من الوظائف الدينية ومن ساعة الإجابة وغيرها كما بينته في كتابي اللمعة في خصائص الجمعة ويؤيد [ ص: 445 ] ذلك إطلاق العيد ، ثم دائما وإضافته للمؤمنين هنا غالبا ( ) من حيث المجموع كما سيعلم من كلامه وأركانهما خمسة
وقياس ما مر أن الشك بعد الصلاة أو الوضوء في ترك فرض لا يؤثر عدم تأثير الشك في ترك فرض من الخطبة بعد فراغها وبه يندفع قول الروياني بتأثيره هنا ولا نظر لكونه شاكا في انعقاد الجمعة ؛ لأن ذلك يأتي في الشك في ترك ركن من الوضوء مثلا وهو لا يؤثر ( حمد الله تعالى ) للاتباع رواه ( والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) [ ص: 446 ] ؛ لأنها عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى فافتقرت إلى ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم كالآذان والصلاة وروى مسلم خبر { البيهقي } قيل هذا مما تفرد به قال الله تعالى وجعلت أمتك لا تجوز عليهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي رضي الله عنه ورد بأنه تفرد صحيح ، ولا يقال : إن خطبته صلى الله عليه وسلم ليس فيها صلاة ؛ لأن اتفاق الشافعي السلف والخلف على التصلية في خطبهم دليل لوجوبها إذ يبعد الاتفاق على سنة دائما
( ولفظهما ) أي حمد الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( متعين ) ؛ لأنه الذي مضى عليه الناس في عصره صلى الله عليه وسلم إلى الآن فلا يكفي ثناء وشكر ولا الحمد للرحمن أو الرحيم مثلا ولا رحم الله رسول الله أو بارك الله عليه ولا صلى الله على جبريل ولا الضمير كصلى الله عليه ، وإن تقدم له ذكر كما صرح به في الأنوار وجعله أصلا مقيسا عليه واعتمده البرماوي وغيره خلافا لمن وهم فيه . نعم ظاهر المتن تعين لفظ رسول وليس مرادا بل يكفي لفظ محمد وأحمد والنبي والحاشر والماحي والعاقب ونحوها مما ورد وصفه به وفارق الصلاة بأن ما هنا أوسع ويفرق بينها وبين الأذان فإنه لا يجوز إبدال محمد فيه بغيره مطلقا كما هو ظاهر من كلامهم وهو قياس التشهد بجامع اتفاق الروايات في كليهما عليه بأن السامعين ثم غير حاضرين فإبداله موهم بخلاف الخطبة وأيضا فالخطبة لم يتعبد بجميع ألفاظ أركانها فخفف أمرها وأيضا فالأذان قصد به الإشارة لكليات الشريعة التي أتى بها نبيها وأشهر أسمائه محمد فوجب الإتيان بأشهر أسمائه وهو محمد ليكون ذلك أشهر لتلك الكليات ومن ثم تعين لفظ محمد في التشهد أيضا ؛ لأنه أشبه بالأذان
وظاهر كلام الشيخين كالأصحاب تعين لفظ الحمد معرفا لكن صرح الجيلي بما اقتضاه المتن من إجزاء أنا حامد لله وحمدت الله وتوقف فيه الأذرعي لكن جزم به غيره ويكفي أيضا لله الحمد كعليكم السلام قاله ابن الأستاذ وأحمد الله وحمدا لله وصلى وأصلي ونصلي خلافا لما يوهمه المتن من تعين لفظ الصلاة معرفا ولا يشترط قصد الدعاء بالصلاة خلافا للمحب الطبري [ ص: 447 ] ؛ لأنها موضوعة لذلك شرعا ( والوصية بالتقوى ) ؛ لأنها المقصود من الخطبة فلا يكفي مجرد التحذير من الدنيا فإنه مما تواصى به منكرو الشرائع بل لا بد من الحث على الطاعة والزجر عن المعصية ويكفي أحدهما للزوم الآخر له
( ولا يتعين لفظها ) أي الوصية بالتقوى ( على الصحيح ) لأن الغرض الوعظ كما تقرر فيكفي أطيعوا الله ( وهذه الثلاثة أركان في ) كل واحدة من ( الخطبتين ) ؛ لأن كل خطبة مستقلة ومنفصلة عن الأخرى